حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن

          278- قولُه: (إذا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ) [خ¦7017] بأنْ يعتدلَ ليلُه ونهارُه وَقْتَ اعتدالِ الطَّبائع الأربع غالباً وانفتاح الأزهارِ وإدْراك الثمار، والمُعبِّرون يقولون: أصدَقُ الرُّؤيا ما كان وَقْت اعتدالِ اللَّيلِ والنَّهارِ.
          وقيل: معناهُ: قُرب زمنِ القيامة، وهو الصَّوابُ، ولكن الأوَّل أشْهرُ عِنْد أهْلِ الرُّؤيا.
          قوله: (لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ).
          وفي «الجامِع»(1): «إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لم تَكْذِبْ رُؤْيا الرَّجُلِ المُسْلمِ، وأصْدَقُهم رُؤيا أصْدَقُهم حديثاً».
          قال النَّوويُّ(2): وظاهرُه أنَّه على إطْلاقه.
          وعن بعضهم: إنَّ هذا يكون في آخِر الزَّمان، عِنْد انقطاع العِلْم ومَوْتِ العُلماءِ والصَّالحين، فجعلَه اللهُ تعالى جابِراً وعِوَضاً.
          قال: والأوَّلُ أظهرُ؛ لأنَّ غيرَ الصَّادِق في حديثِه، يتطرَّق الخللُ في رُؤياهُ وحكايته إيَّاها.
          فإنْ قُلْتَ: إنَّ أوَّلَ الحديثِ يُناقض آخرَه؛ فإنَّ أوَّلَه يقْتضي أنَّ رُؤيا المؤمن لا تكذِب وتارةً تكذب قبل تقارُب الزَّمان، وآخرَه يقتَضي أنَّها لا تكذِب أصلاً!؟
          وأَجابَ المصنِّفُ: بأنَّ أوَّلَ الحديثِ دلَّ على أنَّ الرُّؤيا لا تكذب في آخر الزَّمان لقِلَّة العِلْم وأهلِه، فيقذفُ اللهُ الرُّؤيا الصَّالحةَ في قُلُوب المؤمنين، فتأْتي واضِحةً يعرفها كلُّ أحدٍ.
          وأمَّا أوَّل الزَّمان، فأهلُ العِلْم فيه كثيرٌ، والذي يرى الرُّؤيا تارةً يقصُّها على عارفٍ فتأْتي واضحةً وتارة يقصُّها على غير عارفٍ فلا توافق معناها فلا تكون واضحة، وهيَ على كلِّ حالٍ لم تكذب، فلا مُناقضة بين أوَّلِ الحديْث وآخِرِه.
          فقوله: في أوَّله لم تكذب، أي: لمجيئها واضحة.
          وقوله: وما كان من النُّبوَّة فإنه لا يكذب، أي: أوَّل الزَّمان ولا آخِره.
          قوله: (وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ) بواوِ العَطْفِ على المرفُوع السَّابق، فهو مرفوعٌ أيضاً.
          قوله: (مِنَ النُّبُوَّةِ) أي: مِن أجزائها.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: القَيْد في المَنام.


[1] الترمذي 2270، 2291، وهو في: د 5019، ـه 3917، حم 1059.
[2] شرح مسلم 15/20.