حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي

          277- قوله: (بَيْنَما) [خ¦7008] بالميْم.
          قولُه: (رَأَيْتُ) مِن الرُّؤيةِ الحُلْمِيَّة(1) على الأظْهر، أو مِن البَصَريَّة، فيطلبُ الأوَّلُ مفعولَين، والثَّاني مَفْعُولاً واحِداً.
          قوله: (يُعْرَضُوْنَ) بضمِّ أوَّلِه، وفَتْح ثالثِه، جملةٌ حاليَّةٌ إنْ جُعلت (رَأَى) بصَريَّة، ومفعولٌ ثانٍ إنْ جُعلت حُلْمِيَّة(2)، أي: يَظْهَرُونَ لي.
          وقوْله: (عَلَيَّ) وفي رِوايةٍ: «لِي» بَدَلَ (عَلَيَّ).
          قوله: (قُمُصٌ) بضمِّ القافِ والميْمِ، جمعُ قَمِيْصٍ.
          قوله: (الثُّدِيَّ) بضَمِّ المثلَّثةِ، وكسرِ المهملةِ، وتشديدِ التَّحتيَّة.
          وفي رِوايةٍ: «الثَّدْيَ» بفتحِ المثلَّثة، وسكون المهملة، والمرادُ قِصَرُه جِدّاً بحيثُ لا يصِل من الحلْقِ إلى نحوِ السُّرَّة، بلْ فَوْقها.
          قَوله: (مَا يَبْلُغُ دُوْنَ ذلِكَ) أيْ: أقلَّ مِن ذلك، فلم يصِلْ إلى الثدي لقِلَّته، فليس المراد دُونه من جهة السفل فيكون أطْول.
          قوله: (يَجُرُّهُ) أي: لطُولِه.
          قوله: (قَالُوا) أي: الصَّحابة.
          قوله: (مَا أَوَّلْتَ) بدُون ضميرٍ.
          وفي رِوايةٍ: «مَا أَوَّلْتَهُ»، بضمير المفعولِ.
          قوله: (الدِّيْنَُ) أيْ: أوَّلْتُه الدِّيْن لعُمر؛ وذلك لأنَّ القميصَ يسترُ العَوْرة في الدُّنيا، والدِّيْن يسترُها في الآخِرة ويَحجُبُها عن كُلِّ مكْرُوهٍ.
          وفيْه فضيلته ☺، ولا يلزم منْه تفضيله على أبي بكْرٍ.
          ولعلَّ السِّرَّ في السُّكُوتِ عن ذِكْر الاكتفاءِ بما عُلم من أفضليَّته، أو ذُكِرَ وذَهُلَ الرَّاوي عنْه، وليس في الحديث التَّصْريح بانحصارِ ذلك في عُمر، فالمرادُ التَّنبِيهُ على أنَّه ممَّن حصلَ له الفَضْلُ البالِغُ في الدِّيْن.
          وفي الحديث [خ¦7019] عَن عُمر بنِ الخطَّابِ قال: قالَ رَسولُ الله صلعم:
          «بَيْنا أنا على بئْرٍ أنزَعُ منها _أي: / أستَخْرِجُ منها الماءَ_ إذْ جاءَ أبو بكْرٍ وعُمر، فأخذَ أبو بكْرٍ الدَّلْوَ فنَزَعَ ذَنُوباً _أي: دَلْواً ممتلئاً ماءً_ أو ذَنُوْبَيْن _هُو للشَّكِّ_ وفي نَزْعِه ضَعْفٌ _بفَتْح أوَّلِه وضمِّه، وليس في هذا حَطٌّ مِن قَدْرِ أبي بكْرٍ، وإنَّما هو إشارةٌ إلى قِصَرِ مُدَّةِ خِلافَتِه_ يَغْفِرُ اللهُ لهُ.
          ثمَّ أخذَها _أي: الدَّلْو_ عُمر بنُ الخطَّابِ مِنْ يدِ أبي بكْرٍ _فيه إشارةٌ إلى أنَّ عُمر يَلي الخِلافةَ مِن أبي بكْرٍ بعَهْدٍ منْه، ولِذا قالَ: «مِنْ يدِه»، ولم يقل ذلك في أخذ أبي بكْرٍ الذَّنوب_ فاسْتَحالَتْ في يدِه غَرْباً _أي: تحوَّلَت الدَّلْو في يد عُمر غَرْباً، أي: دَلْواً عظيماً يتَّخذ من جُلُود البقرِ_ فَلَم أَرَ عَبْقَرِيّاً _أي: كامِلاً حاذِقاً في عملِه_ مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ _أي: يعملُ عَمَلاً صالِحاً عَجِيباً_ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».
          أي: رويت لهم إبِلهم حتَّى بركت وأقامت في مكانها؛ وهذا كنايةٌ عمَّا حصلَ في زمن عُمر للمُسلمين من الخصب والسّعةِ ورحمة المؤمنين.
          فأُوِّلَت تلْك الرُّؤيا بأنَّه يُفتح على يدِ أبي بكْرٍ فتْحٌ لطيفٌ، وعلى يدِ عُمر تَنتشرُ الفُتوحات، فالفُتوحاتُ على يد عُمر أكثرُ من الفُتوحات على يدِ أبي بكْرٍ؛ وذلك لكثرة الفِتَن في زَمَنِ أبي بكْرٍ الصِّدِّيق، وراقت في زمن عُمر وانتشرَ الدِّيْن.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: القمص.


[1] كذا في الأصل، وفي «م»: العلمية.
[2] كذا في الأصل، وفي «م»: علمية.