حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة

          274- قوله: (فَسَيَرَانِي في اليَقَظَةِ) [خ¦6993].
          استُشكل بأنَّه لا يتأتَّى أنَّ كُلَّ مَن رآهُ في المنام يَراهُ في اليقَظة!؟
          وأُجِيْبَ بأجْوبةٍ، منْها:
          إنَّ قولَه «في اليَقَظَة»، أي: في يَوْمِ القِيامةِ.
          واعتُرض ذلك الجوابُ بأنَّ كُلَّ أحَدٍ يراهُ في يوم(1) القيامة، سواءٌ كان رآه في المنام أوْ لم يَرَه!؟
          وأُجِيْبُ بأنَّ المرادَ: يَراهُ في يوم(2) القيامة رُؤيةً خاصَّةً، بأنْ يكون قرِيباً من المُصطفى صلعم ويَشْفَع له في رَفْع الدَّرَجاتِ، فقد حصلَ لَه ما لم يحصلْ لغَيْره.
          وأُجِيْبُ بأنَّ المعنى: يَراني في اليقَظَة مِن غَيْر حُجُبٍ، إذ لا يبعد أن يعاقَبَ بعضُ المُذنبِين بالحجْبِ عنْه.
          وأُجِيْبَ أيضاً بأنَّ هذا الحديثَ مخصوصٌ بمَن أسْلمَ في عَهْدِ النَّبيِّ صلعم وزَمنِه، ولم يهاجر إليه، فرآهُ في المنام، فهذا يدلُّ على أنَّه لابُدَّ مِن اجتماعِه بالمُصطفى صلعم يقَظَةً في حياة النَّبيِّ صلعم.
          ورُدَّ ذلك الجواب بأنَّ النَّبيَّ صلعم لا يقصد بحديثِه التَّخْصيص، بل يقصدُ عُمومَ النَّفْعِ، وأيضاً: الأصلُ عُمُوْمُ / اللَّفْظِ.
          وقال السَّادةُ الصُّوفيَّة: يراهُ يقَظَةً في دار الدُّنيا.
          فالمعنى حينئذٍ: إنَّ مَن رآه مَناماً وكان مُشتاقاً واشتدَّ شَوْقه، رآه في اليقظة، كما وقَعَ لكثيرٍ منَ الأوْلياءِ، منهمُ الشَّيْخ أبو العبَّاس اﻟﻤُﺮْسيُّ قال:
          «لوِ احتجبْتُ عنه طَرْفة عَيْنٍ، ما عدَدْت نفسي منَ المسلمين».
          وكذلك سَيِّدي إبراهيمُ المَتْبُوْلِيُّ، كان ينظُر النَّبيّ صلعم يقَظَةً.
          وكذلك الشَّيْخُ السُّحَيْميُّ، وشَيْخُنا البَرَّاويُّ نفَعَنا اللهُ بالجميْع.
          ويحتملُ أنْ يكون معنى الحديث: إنَّ مَن رآه مَناماً فإنَّه يرى صُورتَه صلعم في اليقَظَةِ لكن في مِرْآتِه، كما حُكي عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه رآه مَناماً، فقصَّ ذلك على بعض أُمَّهاتِ المؤمنين، فأخرجتْ له مِرْآته صلعم، فرأى فيها صُوْرتَه صلعم ولم يرَ صُورةَ نَفْسِه.
          وهذا الاحتمالُ مَع بُعْدِه، إنَّما يكون لمن أمكنَه رُؤية مِرْآته صلعم .
          قولُه: (وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) أي: ولا يَقْدِر على التَّصوُّر بِي، فكما منعَ اللهُ الشَّيطانَ أن يتصوَّر بصُورته الكريمةِ في اليقَظَة، كذلك منعَه في المنام لئلَّا يشتبه الحقُّ بالباطِل.
          وهذا الحديثُ رَواهُ البخاريُّ في باب: مَن رأى النَّبيَّ صلعم في المَنامِ.


[1] كذا في الأصل، وليست في «م».
[2] كذا في الأصل، وليست في «م».
وفي هامش الأصل: قال العلَّامة الشرقاويُّ: «وعلى هذا القول، ففيه بشارة لرائيه أنه يمُوت على الإسلام، وكفى بها بشارة؛ وذلك لأنه لا يَراه في القيامة تلك الرؤية الخاصَّة باعتبار القُرب منه إلَّا مَن تحقَّقت منه الوفاة على الإسلام.
حقَّق الله تعالى لنا ولأحبابنا وللمُسلمين ذلك بمنِّه وكَرمه، آمين».