حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه

          26- قولُه: (رَأَى) [خ¦405] أي: أَبْصَرَ.
          وقوله: (نُخَامَةً) مفعولُ (رَأَى) وهي ما يخرُجُ من الصَّدْر.
          وقيل: النُّخَاعَةُ بالعَيْن من الصَّدْر، وبالميْم مِن الرَّأْسِ؛ قالَه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ(1).
          وقالَ في «المخْتار»: النُّخَامَةُ بالضَّمِّ النُّخَاعَةُ، وقد تَنَخَّمَ، أي: تَنَخَّعَ. انتهى.
          قوله: (فِي القِبْلَةِ) أي: في جِهةِ القِبْلةِ، أي: الحائط التي تكونُ جهة القِبْلة؛ لأنَّه لم يكن على عَهْدِه صلعم مِحرابٌ هكذا، بلِ الحائطُ ليس فيها تجويفٌ.
          قوله: (فَحَكَّهَا) أي: النُّخَامَةُ.
          وفي رِوايةٍ: (فَحَكَّهَ) أي: أَثر النُّخامةِ، أو ذكر باعتبارِ كَوْنها بُصَاقاً.
          قوله: (وَرُئِيَ): بضَمِّ الرَّاء، ثمَّ همزةٌ مكْسورةٌ، ثمَّ ياءٌ مفتوحةٌ.
          ولأَبي ذَرٍّ: «رِيْءَ»، بكَسْر الرَّاءِ، ثمَّ ياءٌ ساكنةٌ، ثم همزةٌ مفْتوحةٌ.
          وقوله: (مِنْهُ) أي: النَّبيِّ صلعم.
          وقولُه: (كَرَاهِيَةٌ) أي: بُغْضٌ، وهو مَرفوعٌ ﺑ (رُئِيَ) المبنيِّ / للمَفْعُولِ.
          قَوله: (أَوْ رُئِيَ) بضمِّ الرَّاءِ، ثمَّ همزةٌ مكسورةٌ، فياءٌ مفتوحةٌ، وهذا شكٌّ منَ الرَّاوي عَن أَنسٍ، و(كَرَاهِيَتُهُ) مَرفوعٌ ﺑ (رُئِيَ) المبنيّ للمفعولِ.
          وقولُه: (لِذلِكَ) أي: المذْكُور من النُّخامةِ التي في حائطِ القِبْلةِ.
          قوله: (وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ): عَطْفٌ على (كَرَاهِيَتُه)، والمرادُ بالشِّدَّةِ: الغَضَبُ، فهو مِن قَبِيلِ عَطْفِ التَّفْسيْر، أي: شِدَّة المُصطفى صلعم وغَضَبه على ذلك الأمْر المذْكُور مِن جَعْلِ النُّخامةِ في حائطِ القِبْلَةِ.
          قوله: (وَقَالَ) أي: المُصطَفى صلعم.
          وقولُه: (يُنَاجِي رَبَّهُ) مأْخوذٌ من المُناجاةِ، وهي بحسَبِ الأصلِ: المُسَارَرَةُ بين اثنَين، والمرادُ بها هُنا: المُخاطَبة، أي: فإنَّما يخاطب رَبَّه، وإذا كانَ كذلك فلا ينْبغي أن يَبْصُقَ في حائطِ المسْجدِ، بلْ يكون على أحْسنِ الحالاتِ وأكْملِها مِنْ إخلاصِ القَلْبِ وحُضُورِه وتفريغِه لذِكْرِ الله تعالى.
          قوله: (أَوْ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ) هذا شكٌّ منَ الرَّاوي، أي: في كَون النَّبيّ صلعم قال: (فَإنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ)، أو قال: فإنَّما رَبُّه بَيْنَه وبَيْنَ القِبْلَةِ.
          وللمُسْتَمْلِيِّ والحَمُّوْييِّ: (وَإنَّ رَبَّهُ) بواوِ العَطْفِ، و(رَبَّهُ) مُبتدأٌ، و(بَيْنَهُ...) إلى آخِرِه مُتعلِّقٌ بمَحذوفٍ خَبَر، والجملةُ الاسميَّةُ معطوفةٌ على الجملة الفِعْليَّةِ.
          فإنْ قلْتَ: كون الرَّبّ بَيْنه وبين القِبْلة محالٌ لتنْزيهه عنِ المكان؟!
          أُجِيْبَ بأنَّ المرادَ بِبَيْنِيَّةِ الله تعالى بيْنَ العَبْدِ والقِبْلةِ اطلاعُ الرَّبِّ ╡ على ما بين المُصلِّي وبين قِبْلَتِهِ.
          فإنْ قلْتَ: اطلاعُ الله تعالى عامٌّ لكُلِّ شيءٍ!؟
          أُجِيْبَ بأنَّ المرادَ اطلاعٌ خاصٌّ لا يعلمه إلَّا الله تعالى، فينبغي للمُصلِّي إكْرامُ قِبْلتِه.
          قولُه: (فَلَا يَبْزُقَنَّ) بالزَّاي، وبالسِّين وبالصَّادِ.
          وقوله: (وَلكِنْ عَنْ يَسَارِهِ) أي: ولكن يَبْزُق عَن يسارِه، أي: إذا كانَ في المسجدِ حصًى؛ وإلَّا بأنْ كان مُبلَّطاً أو مفْروشاً فلا يجوز البُصَاقُ.
          وقوله: (أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) كذا للأكْثر.
          وفي رِوايةِ أبي الوَقْتِ: «وَتَحْتَ قَدَمِه».
          قوله: (فَبَزَقَ).
          قالَ في «المخْتارِ»: البُزَاقُ: البُصَاقُ، وقد بَزَقَ، مِنْ بابِ نَصَرَ. [انتهى](2).
          قوْله: (وَقَالَ) أَي: النَّبيُّ صلعم.
          وفي نُسخةٍ: (فَقَالَ).
          وفي نسْخةٍ: (قَالَ)، بإسقاطِ الواوِ والفاءِ.
          وقوله: (أَوْ يَفْعَلُ) أي: الأَحَدُ.
          وقولُه: (هكَذَا) أي: كما فعَلَ النَّبيُّ صلعم، وفيه البَيانُ بالفِعْلِ، ليكون أوقَع في نفسِ السَّامِعِ.
          وظاهرُ قولِه: (أَوْ يَفْعَلُ هكَذَا) أنَّه مخيَّرٌ بين ما ذكر، لكن البُخاري حملَ هذا الأخيرَ على ما إذا بدَرَه البُزَاقُ، ﻓ (أَوْ) على هذا في الحديْث للتَّنويعِ.
          تتمَّة:
          قالَ في «المَدْخَلِ»: ويُنْهى النَّاسُ عن الجلُوسِ في المسْجدِ للحَديْث في أمْرِ الدُّنيا، وقد وردَ: «إنَّ الكَلَامَ في المَسْجدِ بِغَيْر ذِكْرِ الله تعالى يَأْكُلُ الحسَنَاتِ كَما تَأْكُلُ النَّارُ الحطَبَ»(3)، / ووردَ أيضاً عنْه ╕ أنَّه قالَ:
          «إذا أتى الرَّجُلُ المسْجِدَ(4) فأكْثرَ الكَلَامَ، تقولُ الملائكةُ: اسْكُتْ يا وَلِيَّ الله، فإنْ زادَ فتقول: اسْكُتْ يا بَغِيْضَ الله تعالى، فإنْ زادَ فتقُول: اسْكُتْ عَلَيكَ لَعْنةُ الله»(5). انتهى.
          فائِدةٌ:
          قالَ في «المَدْخَلِ» أيضاً: مَنْ تَرَكَ الكلامَ وأقْبلَ على الذِّكْرِ أُثيبَ عليهما، ومَن تَرَكَ الكلامَ فقطْ أُؤْجِرَ علَيْه، خِلافاً لأهْل العِراقِ في قولهم: لا يُؤجَر على تَرْك الكلامِ، بلْ على الذِّكْر(6) خاصَّةً.
          وهذا الحديْث ذكَرهُ البُخارِيُّ في باب: إذا بدرَه البُزاق، أي: غَلَبه.


[1] الفتح 1/508.
[2] ما بين الحاصرتَين منِّي.
[3] قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء. لم أقف له على أصل.
[4] لم أقف عليه ولكن ذكر الحافظ العراقي في تخريج الإحياء أن ابن الحاج في [المدخل] أورده... ولم يحكم عليه.
[5] ينظر: «المَدْخَل» لابن الحاج المالكيِّ ░2/ 227-تراث▒.
[6] كذا في الأصل و«ز1»، وفي «م»: الفكر.