حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك

          263- قولُه: (عُرَاةً) [خ¦6527] أي: لا ساتر لعَوراتهم.
          وهذا باعتبارِ بعضِهم؛ فإنَّ منهم مَّن يُكسى ومنْهم مَّن لا يُكسى، وأوَّلُ مَن يُكْسى إبراهيْمُ [خ¦4740] الخليلُ ╕.
          ولعلَّ سبب ذلك، أنَّه أوَّل من خُتِنَ، وفيه كَشْفٌ لبعضِ عَوْرتِه، فجُوزيَ بالسَّتْر.
          وقيلَ: لأنَّه أوَّل من استَنَّ التَّستُّر(1) بالسَّراويلِ.
          وقيْل: لأنَّه لم يكُن في الأرض أخْوف لله منْه، فجُعلت له كسوته أماناً له فيطمئن قَلْبه. /
          وقد قالَ صلعم: «أوَّلُ مَنْ يُكْسى إبراهيمُ، يقُولُ اللهُ: اكْسُوا خلِيْلي(2) لِيَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَه».
          قَوله: (غُرْلاً) بضمِّ الغَين المُعجمة، وسكونِ الرَّاءِ، جمعُ أغْرَلَ وهو الأَقْلَفُ، أي: من بقيَتْ غُرْلَتُهُ، أي: جِلْدتُه التي يقطعُها الخاتِنُ من الذَّكَر.
          ولا تلْتقي اللَّامُ مع الرَّاء في كلمةٍ إلَّا في أربع كلماتٍ:
          أُرُلُ، اسمُ جَبَلٍ.
          ووَرَلٌ، اسمُ حَيوانٍ.
          وجَرَلٌ، نَوعٌ منَ الحِجارةِ.
          وغُرْلٌ، وهو ما هُنا.
          وزادَ بعضُهم: هَرَلٌ، اسمٌ لوَلَد الزَّوْجةِ، وبَرل، اسمٌ للدَّيْك الذي يَسْتدْبِرُ بعُنُقِه.
          قولُه: (الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) الكلامُ على معنى الاستفهامِ.
          أي: هلِ الرِّجالُ والنِّساءُ، ﻓ (الرِّجَالُ) مبتدأٌ، والخبرُ جملةُ قولِه: (يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ...) إلى آخرِهِ.
          قولُه: (إلى بَعْضٍ) أي: إلى سَوْءَةِ بعضٍ.
          قوْله: (فَقَالَ) أي: المُصطفى صلعم في الجوابِ.
          قَوله: (الأَمْرُ) أي: الحالةُ المشتغلون بها.
          قوله: (يُهِمَّهُمْ) بضمِّ الياءِ، وكسر الهاءِ، من أَهَمَّه.
          وجَوَّز بعضُهم فَتْحَ الياءِ وضمَّ الهاءِ، قالَ الحافظُ ابنُ حَجرٍ(3): والأوَّل أَولى.
          قوله: (ذَاكِ) بغيْر لامٍ، وبكسر الكافِ.
          وهذا الحديث ذكَره البخاريُّ في باب: كيف الحشْر.
          وفي التِّرْمذيِّ(4) والحاكمِ[8689]، مِنْ طرِيق عُثمان بنِ عبدِ الرَّحمن: قرأَتْ عائشةُ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] فقالت: وا سوأتَاه! الرِّجال والنِّساء يُحشرون جميعاً ينظرون إلى سَوْءة بعضٍ!
          فقال ╕: «{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37]» وقال: «لا يَنْظُر الرِّجالُ إلى النِّساءِ، ولا النِّساءُ إلى الرِّجالِ».
          وقال الشَّاذِلِيُّ في قولِه في «الرِّسالة»: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف:29] ما نصُّه: يُحشرُ العَبْدُ ولَه مِن الأعضاءِ ما كان لَه يَوْمَ وُلِد، فمَنْ قُطِعَ منْه عُضْوٌ يعوْدُ في القيامةِ، حتَّى الخِتان(5).


[1] كذا في «ز1» و«ز5»، وفي الأصل: الستر. وفي «م»: السترة.
[2] أخرج أوله فقط: الحاكم 3385، حم 3787، طب 10017، مي 2842، ولم يذكره بتمامه إلا ابن حجر في الفتح 11/384.
[3] الفتح 11/386.
[4] لم أجده بهذه السياقة لكنه عن ابن عباس بلفظ: فقال امرأة... ت 3332.
[5] «كفاية الطَّالب الرَّبَّاني على رسالة ابن أبي زيدٍ القَيْرواني» لأبي الحسن الشَّاذِليِّ المنوفيِّ ░1/ 140▒.