حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

          259- قوله: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله) [خ¦6507] المرادُ اللِّقاءُ الحقيقيُّ؛ لأنَّ المؤمنَ إذا خَرَجَتْ رُوْحُه اجتمعتْ في الحالِ بالرَّبِّ جَلَّ وعَلَا.
          أوِ المرادُ ﺑ (لِقاءَ الله) العَمَلُ المُوصِّلُ إلى لقاءِ الله ╡، بأنْ يَطْلُبَ ما عِنْد الله ╡ بهذا العَمَل ويَتْرُكَ الدُّنيا ويبغضَها، وليس المرادُ ﺑ(لِقاءَ الله) الموتَ؛ لأنَّ كُلّاً مِن المؤمنِ والكافرِ يكْرهه.
          قوله: (أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ) أي: أرادَ اللهُ له الخيْرَ والإنعامَ، وأظهر في مقام الإضْمارِ تفخيماً وتعظيماً لهذا الاسم الكريم وهُو (الله)، أو تلذُّذاً به، ولأنه لو أتى بالضَّمير لعادَ إلى المضاف إليه وهو (الله)، وعَوْدُ الضَّمير إليه قَليلٌ.
          قوله: (وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله) أي: ومَن كَرِه الاجتماعَ بالرَّبِّ(1) جلَّ وعلَا، أو كَرِه العَمَلَ الموصلَ إلى لقائه.
          قوله: (كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ) أي: أرادَ لهُ العِقابَ والعَذابَ.
          قوله: (أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ) شَكٌّ مِن الرَّاوي.
          وجَزَمَ سَعْدُ بنُ هِشامٍ في رِوايتِه، عَن عائشةَ، بأنَّها هيَ التي قالتْ ذلك، ولم يتردَّد.
          قوله: (إنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ) أي: ففَهِمتْ عائشةُ أنَّ المرادَ ﺑ (لِقاءَ الله) الموْتُ، فقالَتْ ذلك.
          قوله: (قَالَ) أي: المُصطفى صلعم.
          قوله: (لَيْسَ ذَاكِ) بغَيْر لامٍ مَع كسرِ الكافِ.
          وفي رِوايةٍ: (ذلِكِ) باللَّام والكافِ، خِطابٌ لأُنثى، أي: ليس كما فهِمْتِ مِنْ أنَّ المرادَ ﺑ (لِقاءَ الله) الموْت، أي: ليس اللِّقاءُ الموْتَ.
          قوله: (وَلكِنَّ) بتشديدِ النُّونِ، ونَصْبِ (المُؤْمِنَ).
          وفي رِوايةٍ بتخفيف النُّوْنِ ورَفْعِ (المُؤْمِنُ) مُبتدأٌ.
          قولُه: (بُشِّرَ) بضمِّ الباءِ الموحَّدة، وكسرِ الشِّيْن المعجمة المشدَّدة.
          قوله: (بِرِضْوَانِ الله) أي: بإحْسانِه وإنعامِه عَلَيه.
          قوله: (ممَّا أَمَامَهُ) أي: قدَّامه، أي: ما يستقبله بعد الموتِ وهُو لِقاءُ الله.
          قوله: (فَأَحَّبَ) أي: المؤمنُ (لِقَاءَ الله)، أي: بعد الموْتِ(2) ليحصل له ما أمَامَه مِن الرِّضْوان والكرامةِ.
          قوله: (وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ) أي: أنعَمَ عليه وأحسنَ إليه.
          قوله: (إذا حُضِرَ) بضمِّ الحاءِ المُهملة، وكسرِ الضَّادِ المُعجمة، / أي: حَضَرَهُ المَوْتُ.
          وقوله: (بُشِّرَ) بضمِّ الباءِ الموحَّدة، وكسرِ الشِّين.
          قوله: (بِعَذَابِ الله) أطْلق على العذاب لفظُ البشارة تهكُّماً به وسُخْرِيَّةً.
          قوله: (ممَّا أَمَامَهُ) أي: مما يستقبله.
          قوله: (كَرِهَ لِقَاءَ الله) بدون فاءٍ.
          وفي روايةٍ(3): (فَكَرِهَ) بالفاءِ، أي: فكَرِهَ لقاءَ الله لما يحصل له من العِقاب بعد اللُّقِي.
          قوله: (وَكَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ) أيْ: أرادَ اللهُ له العذابَ.
          وقد جاءَ في الحديْث(4): «إذا أرادَ اللهُ بعَبْدٍ خَيْراً، قَيَّضَ لَه قَبْلَ مَوْتِه بعامٍ مَلَكاً يُسدِّدُه ويُوفِّقه حتَّى يقال: ماتَ بخَيْرٍ، فإذا حُضِرَ وَرأى ثوابَه اشْتاقَتْ نَفْسُه فذلك حين أحبَّ لِقاءَ الله وأحبَّ اللهُ لقاءَهُ.
          وإذا أرادَ اللهُ بعَبْدٍ شَرّاً، قيَّضَ اللهُ لَه قبلَ مَوْتِه بعامٍ شَيْطاناً فأضَلَّه وفَتَنَهُ حتَّى يقال: ماتَ بشَرٍّ، فإذا حُضِر وَرأى ما أعَدَّ اللهُ لَه من العذابِ جَزَعَتْ نفْسُه، فذلك حين كَرِه لقاءَ الله وكَرِهَ اللهُ لِقاءَهُ».
          وقوله في الحديث: «يُسَدِّدُه»، أي: يُقوِّيْهِ على الطَّاعة ويوفِّقه للخَيرات.
          قال النَّوويُّ(5): والمعتبرُ المحبَّةُ والكراهةُ عند النَّزع في حالةٍ لا تُقبل فيها تَوْبةٌ ولا غيرها، فحينئذٍ يُبشَّر كلُّ إنسانٍ بما هو صائرٌ إليه وما أُعِدَّ له، ويكشف له عن ذلك.
          فأهلُ السَّعادة يُحبُّونَ الموتَ ولقاءَ الله؛ ليَنْتقِلُوا إلى ما أعَدَّ اللهُ لهم، ويُحبُّ اللهُ لقاءَهُم فيُجْزِلُ لهم العَطاءُ والكرامةُ.
          وأهلُ الشَّقاوة يكْرهُون لقاءَ الله لما عَلِمُوا من سُوءِ ما ينتقِلوْن إليه، فيكره اللهُ تعالى لقاءَهُم، أي: يُبعِدُهُم مِن رَحْمتِه وكَرامتِه.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: «مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ اللهُ لِقاءَهُ».


[1] كذا في الأصل، وفي «م»: الله.
[2] قوله: «وهو لقاء الله... أي: بعد الموت» زيادة من الأصل وغيرها، وسقطت في «م».
[3] في بعض نسخ البخاري وكذا في حم 12066.
[4] أخرجه عبد الرزاق 6749 موقوفاً من قوب ابن مسعود، وذكره السيوطي في جمع (الجوامع الكبير)
[5] شرح مسلم 17/9_10.