حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي

          256- قولُه: (سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ) [خ¦6306] أي: أفضلُه، ولمَّا كانَ السَّيِّدُ هو الرَّئيسُ المعتمدُ عَلَيه في الحوائجِ، المرجوعُ إليْه في الأُمور كهذا الدُّعاءِ، أطْلَقَ عليه لفظَ (سَيِّدُ).
          قوله: (أنْ تَقُوْلَ) بصيغة المُخاطب.
          وفي رِوايةٍ: «يَقُوْلَ»، أي: «العَبْدُ».
          قوله: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي) مَرَّةً واحِدةً.
          وفي رِوايةٍ: «أَنْتَ أَنْتَ»، بالتَّكْريرِ مرَّتَين.
          قولُه: (وَأَنا عَبْدُكَ) يجوزُ أن تكونَ حالاً مُؤكَّدةً أو مُقدَّرةً، أي: أنا عابِدٌ لكَ.
          قوْله: (وَأَنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ) أيْ: ما عاهدتك عَلَيه ووعدتك به من الإيمانِ بِك وإخلاص الطَّاعة لك.
          قوله: (مَا اسْتَطَعْتُ) فيْه إشارةٌ إلى الاعْترافِ بالعَجْزِ والتَّقْصيرِ عن كُنْهِ الواجِب.
          وقد يكونُ المرادُ بالعَهْدِ العَهْد الذي أخَذَه اللهُ على عِبادِه حِيْن أخْرجَهم أمْثال الذَّرِّ {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172].
          قوْله: (أَبُوْءُ لَكَ) بضمِّ الموحَّدة، وسُكُون الواوِ، بَعْدها همْزةٌ، وهو مَمدودٌ، أي: أعترفُ وأقرُّ لكَ.
          قوله: (وَأَبُوْءُ بِذَنْبِي) أي: أعْترِفُ بِه.
          وفي رِوايةٍ [خ¦6306] [خ¦6323]: «وَأَبُوْءُ لَكَ بِذَنْبِي»، بزيادةِ «لَكَ».
          قولُه: (اغْفِرْ لِي) وفي رِوايةٍ: «فَاغْفِرْ لِي، فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ إلَّا أنْتَ».
          وفي «الجامِع الصَّغيْر»[4743]: «مَنْ قالَ هذه الكَلمات منَ النَّهارِ مُوْقِناً بها فَماتَ مِنْ يَوْمِه قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فهُو مِنْ أهْلِ الجنَّةِ، ومَنْ قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوْقِنٌ بِها فَماتَ مِنْ لَيْلَتِهِ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ / فهُو مِنْ أهْلِ الجنَّةِ».
          ومعنى «مُوْقِناً»: مُخلصاً ومُصدِّقاً بثَوابها.
          وقولُه في الحديث: (فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ) أوَّلاً وثانياً، أرادَ أنَّه يدخُلُها مِن غَير تقَدُّمِ عذابٍ؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّ المؤمنَ بحقيقتِها لا يعصي الله، أو أنَّ اللهَ يَعْفُو عنْه ببَرَكةِ هذا الاستغفارِ.
          قالَه الكِرْمانيُّ(1).
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: أفضل الاسْتِغفارِ.
          وقد جمعَ هذا الحديثُ مِن بدِيع المعاني وحُسْنِ الألفاظِ ما يحق له أن يُسمَّى (سَيِّدُ الاسْتِغْفارِ) فَفيه:
          الإقْرارُ لله وَحْدَه بالأُلُوهيَّة والعُبوديَّة.
          والاعْتِرافُ بأنَّه الخالِقُ.
          والإقْرارُ بالعَهْدِ الذي أخذَه عَلَيه.
          والرَّجاءُ لما وعَدَه به.
          والاستعاذةُ مِن شَرِّ ما جَنى العَبْدُ على نَفْسِه.
          وفيه إضافةُ النَّعْماءِ إلى خالقِها وإضافةُ الذَّنْب إلى نَفْسِه، ورغبتُه في المغْفرة واعترافُه بأنَّه لا يقْدِر أحدٌ على ذلك إلَّا هو.


[1] الكواكب الدراري 22/124.