حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: ويقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن

          249- قوله: (يَقُوْلُوْنَ: الكَرْمُ) [خ¦6183] عِبارةُ مَتْنِ البُخاريِّ: «وَيَقُوْلُوْنَ»، بإثباتِ الواوِ، وهي عاطفةٌ على مُقدَّرٍ، والتَّقْديرُ: لا يقولون: الكَرْمُ قَلْبُ المؤمن، ويقولون: الكَرْمُ لشَجَرِ العِنَبِ.
          ﻓ (الكَرْمُ) مُبتدأٌ محذوفُ الخبَرِ.
          ويجوزُ أنْ يكونَ خَبَراً، أيْ: ويقولون لشَجَر العِنَبِ: الكَرْم.
          قوله: (إنَّمَا / الكَرَمُ) بفَتْح الرَّاءِ وإسْكانِها، بمعنى: الكَرِيم، وَصْفٌ بالمَصْدَرِ كعَدْلٍ وضَيْفٍ، ويَسْتَوِي فيه المُذكَّر والمُؤنَّث، والمُفردُ وغيرُهُ:
          يُقالُ: رَجُلٌ كَرَمٌ وامْرأةُ كَرَمٌ، ورَجُلَانِ وامْرأَتانِ كَرَمٌ، ورِجَالٌ ونِسْوَةٌ كَرَمٌ.
          وليسَ الحصْرُ على ظاهرِه، وإنَّما المعنى: إنَّ الأحَقَّ باسمِ الكَرْمِ قَلْبُ المُؤمِنِ، ولم يُرِدْ أنَّ غَيْرَه لا يُسمَّى كَرْماً.
          أي: إنَّ المُستحقَّ لهذا الاسمِ المُشتَقِّ منَ الكَرْمِ هُو قَلْبُ المؤمنِ.
          وفي حدِيثِ سَمُرَةَ عِنْد البَزَّارِ(1) والطَّبَرانيِّ(2) مَرفُوعاً:
          «إنَّ اسمَ الرَّجُلِ المؤمنِ في الكُتُب: الكَرْمُ، مِن أجْلِ ما أكْرَمَه اللهُ تعالى على الحقِيقةِ، وإنَّكُم تَدْعُوْنَ الحائِطَ مِنَ العِنَبِ: الكَرْم».
          قولُه: (قَلْبُ المُؤْمِنِ) أي: لما فيه من نُور الإيمان وتقوى الله ╡.
          قالَ ابنُ الأنباريِّ: إنَّما سمُّوا العِنَب كَرْماً؛ لأنَّ الخمْرَ المتَّخَذَ منْه يَحُثُّ على السَّخاءِ ومكارِمِ الأخْلاقِ.
          قالَ شاعِرُهُم:
          ... والخمْرُ مُشْتقَّةُ المعنى مِنَ الكَرَمِ
          فلهذا نُهي عن تسمية العِنَب بالكَرْم، حتَّى لا يُسمَّى أصْلُ الخَمْرِ باسمٍ مأْخوذٍ من الكَرْم، وجَعَلَ المؤمنَ الذي يتَّقي شُرْبَها ويَرى الكَرْمَ في تَرْكِها أحقَّ بهذا الاسْمِ الحَسَنِ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: قول النَّبيِّ صلعم: «إنَّما الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ».


[1] المسند 4648.
[2] في الكبير 7087.