حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن...

          236- قولُه: (مَعَهَا) [خ¦5995] ولأبي ذَرٍّ: «وَمَعَهَا».
          وقوله: (ابْنَتَانِ) أيْ: لَها.
          قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرِ(1): لم أقِف على أسْمائهنَّ.
          قوله: (فَقَسَمَتْهَا) بسُكونِ المثنَّاةِ الفَوقيَّة.
          وقولُه: (بَيْنَ ابْنَتَيْهَا) زادَ مَعْمَرٌ: «ولم تَأْكُلْ مِنْها شَيْئاً»، هكذا في رِواية عُرْوةَ.
          ووقعَ في رِوايةِ عِرَاكِ(2) بنِ مالكٍ، عَن عائشةَ:
          «جاءَتْني مِسْكينةٌ تحمِلُ ابنتَين لها، فأطْعَمْتُها ثلاثَ تَمراتٍ، فأعْطَتْ كُلَّ واحدةٍ منْهما تَمْرةً، ورَفَعَتْ تَمرةً إلى فِيْها لتأكُلَها، فاستطعَمَتْها ابْنَتاهَا، فشَقَّتِ التَّمْرةَ التي كانتْ تُريد أنْ تأكُلَها، فأعْجَبَني شأْنُها...» الحديثَ.
          أخْرجَه مُسلمٌ(3).
          وللطَّبرانيِّ(4) مِن حديث الحسنِ بنِ عليٍّ نحوُه.
          ويمكن الجمْعُ بأنَّ مُرادَها بقولها في حديْث عُرْوةَ «فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ واحِدَةٍ»، أي: أخصُّها بها.
          ويحتملُ أنَّها لم يكُن عندها في أوَّل الحالِ سوى واحدة، فأعطتها، ثمَّ وجدت ثنتَين.
          ويحتملُ تعدُّد القصَّة.
          قوله: (ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ) أي: المرأة مِن عِنْدي.
          قوله: (فَحَدَّثْتُهُ) أي: أخبرتُه بما وقعَ، وهو من كلام عائشةَ.
          قوله: (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم.
          قوله: (مَنْ يَلِي) كذا للأكْثر بتَحْتانيَّةٍ مفْتوحة أوَّله، مِنَ الوِلَايةِ.
          وللكُشْميْهَنيِّ [مَنْ بُلِيَ] بمُوحَّدة مضمومةٍ، منَ الابْتِلَاءِ.
          وفي رِوايةِ الكُشْمَيهَنيِّ أيضاً: «بِشَيْءٍ»، وقَوَّاه عِياضٌ(5)، وأيَّدَه برِوايةِ شُعيْبٍ بلفظِ(6): «مَنِ ابْتُلِيَ»، وكذا وقعَ في رِوايةِ مَعْمَرٍ عِنْد التِّرْمذيِّ.
          واختلفَ في المرادِ بالابتلاءِ، هلْ هُو نفسُ وُجودهنَّ أو ابتُلي بما يصْدر منهنَّ، وكذلك هلْ هوَ على العُموم في البَناتِ، أوِ المرادُ: من اتَّصفَ منهنَّ بالحاجة إلى ما يفعل به!
          وقال النَّوويُّ(7) تبعاً لابن بطَّال(8): إنَّما سمَّاه ابتلاءً؛ لأنَّ النَّاسَ يكْرهونَ البناتَ في العادَة، قالَ تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58].
          فزجَرهمُ الشَّرْعُ / عن ذلك، ورغَّب في إبقائهنَّ وتركِ قتلِهنَّ بما ذكَر من الثَّواب الموعود به مَن أحسنَ إليهنَّ وجاهدَ نفسه في الصَّبْر عليهنَّ.
          و قالَ شارحُ التِّرْمذيِّ(9): يحتملُ أنْ يكونَ معنى الابتلاءِ الاخْتِبارُ، أي: مَن اُختبر بشيء منَ البناتِ ليُنظر ما يفعل، أيُحسن إليهنَّ أو يُسيء.
          قولُه: (فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ) هذا يُشعِر بأنَّ المرادَ بقوله في أوَّل الحديْثِ (مِنْ هذِهِ) أكثرُ مِن واحدةٍ.
          ووقعَ في حديث أَنسٍ عِنْد مُسلمٍ[149/2631]: «مَنْ عَالَ جارِيَتَيْن».
          ولأحمدَ مِن حديثِ أُمِّ سَلَمةَ[26559]: «مَنْ أنْفقَ على ابنتَين أوْ أُخْتَين أو ذاتي قَرابةٍ محتسب عَلَيهما».
          والذي وقعَ في أكثر الرِّواياتِ بلفْظِ الإحْسان.
          وفي رِواية عبد المجيدِ: «فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ»[ت 1913، ـه 3669].
          ومثلُه في حديْث عُقْبةَ بنِ عامرٍ في «الأدَبِ المُفْرَدِ»[76]، وكذا في ابنِ ماجَهْ[3669] وزادَ: «وأطْعَمَهُنَّ وسَقاهُنَّ وكَسَاهُنَّ».
          وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ(10) عِنْد الطَّبرانيِّ: «فأنْفقَ عَلَيهِنَّ وزَوَّجهنَّ، وأحْسَنَ أدَبهنَّ».
          وفي حدِيث جابرٍ عِنْد أحمدَ[14286] وفي «الأدبِ المفْرد»[78]: «يُؤدِّبهنَّ ويَرْحَمَهُنَّ ويكفلهنَّ».
          زادَ الطَّبرانيُّ: «ويُزوِّجهنَّ»(11).
          وله نحوُه من حديث أبي هُريرةَ في «الأوْسطِ»(12) والتِّرْمذيِّ وفي «الأدب المُفرَد»[132] يجمعُها لفظُ الإحْسان الذي اقتصر عليه في حدِيث البابِ.
          وقد اختلفَ في المرادِ بالإحسان، هلْ يقتصر فيه على قَدْر الواجب أو بما زادَ عليه!؟
          والظَّاهرُ الثَّاني؛ فإنَّ عائشةَ أعطتِ المرأةَ التَّمرةَ، فآثرتْ بها ابنتيها، فوصفَها النَّبيُّ صلعم بالإحسان بما أشارَ إليه من الحكم المذْكُور، فدلَّ على أنَّ مَن فعَلَ معروفاً لم يكن واجباً عليه أوْ زاد على قَدر الواجبِ عُدَّ مُحسناً.
          والذي يقتصرُ على الواجب وإن كان يُوصف بكونه محسناً لكن المرادَ من الوصف المذكور قَدْرٌ زائدٌ، وشرطُ الإحسان أنْ يوافقَ الشَّرْع لا ما خالفه.
          والظَّاهر أنَّ الثَّواب المذْكور إنَّما يحصل لفاعلِه إذا استمرَّ إلى أن يحصل استغناؤهنَّ عنه بزَوْجٍ أو غيره كما أشارَ إليه في بعض ألْفاظ الحديث، والإحسان إلى كلِّ أحدٍ بقَدر حالِه، وقد جاءَ أنَّ الثَّوابَ المذْكُورَ يحصل لمن أحسن لواحدةٍ فقطْ.
          ففي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ(13) فقال رَجُلٌ من الأعرابِ: «أو اثنتَين؟ فقال: أوِ اثنتَين».
          وفي حديْث عَوْف بنِ مالكٍ عِنْد الطَّبرانيِّ(14): «فقالتِ امرأة».
          وفي حديث جابرٍ: «قِيْلَ».
          وفي حديث أبي هُريرة: «قُلْنا».
          وهذا يدلُّ على تعدُّد السَّائلين.
          وزاد في حديث جابرٍ: «فَرأى بعضُ القَوْمِ، أنْ لَو قال: وَواحِدة، لَقَالَ».
          وفي حديث أبي هُريرة: «قُلْنا: وثنتَين؟ قال: وثنتَين، قُلْنا: وواحدة؟ قال: وواحِدة».
          وشاهدُه حديثُ(15) ابنِ مسْعودٍ رَفَعَه: «مَنْ كانَتْ لَه ابنةٌ، فأدَّبَها فأحْسَنَ أدَبَها، وعَلَّمَها فأحْسَنَ تَعْليْمَها، وأوْسعَ عَلَيْها مِنْ نِعْمةِ الله التي أوْسع عَلَيه...» الحديثَ.
          أخْرجَه الطَّبرانيُّ بسَنَدٍ واهٍ(16).
          قوله: (كُنَّ) أي: البنات.
          و قوله: (لَهُ) أي: لمن.
          وقوله: (سِتْراً) أي: وِقايةً من النَّار؛ كذا في أكثر الأحاديثِ.
          ووقعَ في رِواية عبد المجيْد(17): «حِجَاباً»، وهو بمعناهُ.
          وفي الحديث تأكّد حقِّ البناتِ لما فيهنَّ من الضَّعْف غالباً عنِ القيام بمَصالحهنَّ بخلاف الذُّكور، لما فيهم من قوَّة البَدَن وجزالة الرَّأي وإمكان التَّصرُّف في الأُمور المحتاج إليها في أكثرِ الأحوالِ.
          قال ابنُ بطَّالٍ(18): وفيه جوازُ سؤال المحتاج، وسخاءُ / عائشة لكونها لم تجد إلَّا تمرة فآثرت بها، وأنَّ القليلَ لا يمنع التَّصدُّق به لحقارتِه، بل ينبغي للمُتصدِّق أنْ يتصدَّق بما تيسَّر له قلَّ أو كثُر.
          وفيه جوازُ ذِكْر المعروف إذا لم يكن على وَجْه الفَخْر ولا المِنَّة.
          وهذا الحديث ذكَرهُ البخاريُّ في باب: رَحْمة الوَلَدِ وتَقْبِيله ومُعانقَته.


[1] الفتح 10/428.
[2] مسلم 148/2630.
[3] مسلم 148/2630.
[4] في الكبير 2715.
[5] في المشارق 1/90.
[6] مسلم 147/2629.
[7] شرح مسلم 16/179.
[8] لم أجده لابن بطال.
[9] يعني الحافظ العراقي كما في الفتح 10/429.
[10] في الكبير 11542.
[11] في الأوسط 4760.
[12] الأوسط 6199.
[13] في الكبير 11542.
[14] في الكبير 14811.
[15] في الكبير 10447.
[16] في الكبير 10447.
[17] قوله: «عبد المجيد» زيادة من الأصل وباقي النسخ، وفي «ت» و«م»: عبد الحميد.
[18] لم أجده لكن عزاه إليه صاحب الفتح 10/429.