حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة

          232- قولُه: (الوَاصِلَةَ) [خ¦5933] أي: التي تَصِلُ الشَّعْرَ بشَعْرٍ آخرَ لِنَفْسِها أو غيرِها.
          وقوله: (وَالمُسْتَوْصِلَةَ) أي: التي تَطْلُبُ أن يُفْعَلَ بها الوصل.
          وهذا الحديثُ صَريحٌ في تَحْرِيم الوَصْلِ مُطْلقاً، وقد فَصَّلَ أصحابُنا فقالوا: إنْ وصلتْ شَعْرَ آدَميٍّ فهو حَرامٌ بلا خِلَافٍ؛ لأنَّه يحرم الانتفاعُ بشعْرِ الآدَميِّ وسائر أجْزائِه لكرامتِه.
          وأمَّا الشَّعْرُ الطَّاهرُ مِن غَيْر آدَميٍّ، فإنْ لم يكُن لها زَوْج ولا سَيِّدٌ فهو حرامٌ أيضاً، وإنْ كانَ فثلاثة أوْجُه، أصحُّها: إنْ فعلَتْهُ بإذنِ الزَّوْج أوِ السَّيِّدِ جازَ.
          و قال مالكٌ والطَّبَريُّ والأكْثرون: الوَصْلُ مَمْنُوْعٌ بكُلِّ شيءٍ، شَعَرٍ أوْ صُوْفٍ أو خزٍّ أو غَيْرها.
          وعند مِسْلمٍ مِن رِوايةِ قَتادَةَ[124/2127]، عَن سعِيدٍ: «نَهى عَنِ الزُّوْرِ»، قال قَتادةُ: يَعْني ما يُكثِّر بِه النِّساءُ أشْعارَهُنَّ منَ الخِرَقِ.
          ويؤيِّدُه حدِيثُ جابرٍ عِنْدَ مسْلِمٍ[121/2126]: «زَجَرَ عِنْدَ رَسُوْلِ الله صلعم أنْ تَصِلَ المَرأَةُ بشَعْرِها شَيْئاً».
          وذهبَ اللَّيثُ ونقلَه أبو عُبيدٍ عن كثيرٍ من الفُقهاءِ أنَّ الممتنعَ من ذلك وَصْلُ الشَّعْرِ بالشَّعْرِ، أمَّا إذا وَصَلَتْ بغَيْره من خِرْقةٍ وغيرها فلا يدخل في النَّهْيِ.
          وعن سَعيد بنِ جُبيرٍ: «لا بأْسَ بالقَرَامِلِ».
          وبه قالَ أحمدُ وكثيرٌ من العُلماءِ، وهي جَمْعُ قَرْمَلٍ _بفَتْح القافِ وسُكُونِ الرَّاءِ_ نباتٌ طَوِيلُ الفُرُوعِ لَيِّنٌ، والمرادُ بِه خُيُوطُ الشَّعَرِ منْ حَرِيرٍ أوْ صُوْفٍ، يعمل في ضفائر تَصِلُ بها المرأةُ شَعْرَها.
          وكما يحرم على المرأة الزِّيادةُ في شَعْرِ رأسِها يحرم عليها حَلْقُه لغَيْر ضرورةٍ.
          قوله: (وَالوَاشِمَةَ) أي: التي تَغْرِزُ الإبْرة في الجسدِ، ثمَّ تَذَر عليه كُحْلاً أو نِيْلَةً لِيَخْضَرَّ.
          قوله: (وَالمُسْتَوْشِمَةَ) أي: التي تطلُبُ الفِعْلَ ويُفْعَلُ بها، والوَشْمُ حَرَامٌ إذا كان مكلَّفاً مُختاراً وفعَلَه لغَيْر ضرورةٍ، فحينئذٍ تجبُ إزالتُه وتبطل به الصَّلاةُ.
          فلو فَعَلَه قبل البُلُوغ، أو كان مكرهاً، أو لضرورةٍ، فلا تَجِب إزالته، ويعفى عنه في الصَّلاة فتصح منْه.
          و هذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: وَصْل الشَّعرِ.