حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: هل لا استمتعتم بإهابها ؟!

          218- قوله: (مَيِّتَةٍ) [خ¦5531] بتشديدِ الياءِ وتَخفيفِها.
          وقوله: (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم لمنْ كانتْ لهم.
          قوله: (هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ) أي: تمتَّعتُم وانتفعتُم.
          قوله: (بِإهَابِهَا) بكَسْرِ الهمْزةِ وتَخفيف الهاءِ.
          قالَ في «القامُوْسِ»(1): [الإهَابُ] كَكِتَابٍ، الجِلْدُ إذا لم يُدْبَغْ، والجمْعُ أُهُبٌ كَكُتُبٍ قِياساً، وأَهَبٌ بفَتْحَتَين سَماعاً.
          قولُه: (إنَّمَا حَرُمَ) بفَتْحِ الحاءِ، وضمِّ الرَّاءِ.
          ولأبي ذَرٍّ بضمٍّ، ثُمَّ كسرٍ للرَّاءِ مَع التَّشْديدِ.
          و قولُه: (أَكْلُهَا) بفَتْح الهمْزة، نائب فاعل على الثَّاني، وفاعِلٌ على الأوَّل.
          قال ابنُ أبي جَمْرةَ: فيْه مُراجعةُ الإمامِ فيما لا يَفْهمُ السَّامعُ معنى ما أمرَ به، كأنَّهم قالوا: كيفَ تأْمُرنا بالانتفاعِ بها وقد حرِّمتْ علينا!؟ فبيَّن لهم وَجْهَ التَّحْرِيمِ.
          ويؤخذُ منْه جوازُ تخصيصِ الكتابِ بالسُّنَّة؛ لأنَّ لَفْظَ القُرآنِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3]، وهو شاملٌ لجميع أجْزائها في كُلِّ حالٍ، فخصَّت السُّنَّة ذلك بالأكْل.
          وفيه حُسن مراجعتِهم، وبَلَاغَتُهُم في الخِطابِ؛ لأنَّهم جَمَعوا مَعاني كثيرة في كلِمةٍ واحدةِ، وهي قولهم: (إنَّها مَيِّتةٌ).
          واستدلَّ الزُّهْريُّ بهذه الرِّواية على جوازِ الانْتِفاعِ به مُطْلقاً، سَواءٌ دُبغ أو لم يُدْبَغْ، لكن صَحَّ التَّقْييدُ بالدَّبغ من طرِيق / أُخرى، وهي حُجَّة الجُمهور، واستثنى الإمامُ الشَّافعيُّ من الميتاتِ الكَلْبَ والخِنْزيرَ وما تولد منهما لنجاسةِ عَيْنِها عِنْدَهُ.
          وأخذَ أبو يُوسفَ بعُموم الخبَرِ، فلمْ يَسْتثن شيئاً، وهي رِوايةٌ عَن مالِكٍ.
          وقد تمسَّك بعضُهم بخُصوصِ هذا السَّبَبِ، فقصر الجوازَ على المأكُول لوُرودِ الخبَرِ في الشَّاة، ويتقوَّى ذلك من حيثُ النَّظَرُ بأنَّ الدِّبَاغَ لا يَزِيد في التَّطْهير على الذَّكاة، وغير المأكول لو ذُكِّي لم يطهرْ بالذَّكاة عِنْد الأكثرِ، فكذلك الدِّباغ.
          و أجابَ مَن عمَّمَ بالتَّمسُّكِ بعُمومِ اللَّفظِ فهُو أَولى من خُصوص السَّببِ، وبعُمُوم الإذن بالمنْفعة، وبأنَّ الحيَوان الطَّاهرَ ينتفع به قبل الموتِ، فكان الدِّباغ بعد الموْتِ قائماً مَقامَ الحياةِ.
          وذهبَ قَوْمٌ إلى أنَّه لا ينتفع منَ الميتةِ بشيءٍ، سواءٌ دُبغ الجِلْد أو لم يُدْبَغْ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: جُلُود الميتةِ.


[1] الأهبة [أهب] باب الباء وفصل الحمزة.