حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير...

          215- قوْله: (يَنْهَى) [خ¦5514] وفي رِوايةٍ: «نَهَى».
          وقولُه: (أنْ تُصْبَرَ) بالبناءِ للمَجهول، أي: تُحبَسَ لِرَمْيٍ حتَّى تَموتَ.
          وإنَّما نهى صلعم عن ذلك لكمالِ رحْمتِه وشفَقَتِه على خَلْقِ الله تعالى، وقد قالَ ╕[ت 1924]: «الرَّاحِمُون يَرْحَمُهُمُ الرَّحمنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأرْضِ يَرْحَمْكُم مَّنْ في السَّماءِ».
          وفي حديثٍ: «إنَّما يَرْحَمُ الرَّحمنُ مِنْ عِبادِه الرُّحَمَاءَ» [خ¦1284] [خ¦6655] [خ¦7377] [خ¦7448].
          و قد ذُكر في معنى ذلك:
إنْ أنتَ لم تَرْحَمِ المِسْكينَ إنْ عَدِمَا                     ولا الفَقيْر إذا اشتكى لكَ العَدَمَا
فكَيْفَ تَرْجُو مِن الرَّحمن رَحْمته                     عِنْد الحِسابِ إذا مَا المَرْءُ قَد نَدِمَا
          قولُه: (أَوْ غَيْرُهَا).
          (أَوْ) للتَّنويعِ لا للشَّكِّ، فتدخل البَهائم والطُّيور وغيرها.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: ما يُكره من المُثْلة والمَصْبُورة والمُجَثَّمةِ.
          والمراد بالمُثْلَةِ: قَطْعُ أطْرافِ الحيَوان، أو بَعْضِها وهو حَيٌّ.
          والمَصْبُوْرَةِ: الدَّابَّةُ التي تُحبس حيَّةً لتُقْتل بالرَّمْي ونحوِه.
          والمُجَثَّمِةِ: التي تُربط وتُجعل غرَضاً للرَّمي بالسَّهْم.
          ونَصُّ البُخاريِّ: حَدَّثنا أحمدُ بنُ يَعْقُوبَ، أنْبأنا إسحاقُ بنُ سعِيدِ بنِ عَمْرٍو، عَن أَبِيه، أنَّه سمِعَه يُحدِّثُ، عنِ ابنِ عُمر:
          إنَّه دَخَلَ على يحيى بنِ سعيدٍ، وغُلامٌ مِن بني يَحيى رابطٌ دَجَاجةً يَرْمِيْها، فَمَشى إليْها ابنُ عُمَرَ حتَّى حَلَّها، ثمَّ أقْبلَ بها والغُلام معَه فقال:
          «ازْجُرُوا غُلامَكُم عَن أن يَصْبِرَ هذا الطَّيْرَ للقَتْلِ؛ فإنِّي سمعتُ النَّبيَّ صلعم نَهى أنْ تُصْبَرَ بَهِيْمةٌ أوْ غَيْرُها للقَتْلِ».