حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث عائشة: أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي ثم أراه..

20- قوله: (عَنْ عَائِشَةَ: أنَّها كَانَتْ تَغْسِلُ المَنِيَّ) [خ¦232] أي: مَنِيَّها / المختلِطَ بمَنيِّه صلعم، لا مَنيِّه وحْده؛ لأنَّ فَضَلاتِه طاهرةٌ.
          قوله: (ثُمَّ أَرَاهُ) بفتح الهمْزة، أي: أَبْصَرُ الأثَر الدَّالَّ عليه قَوْلُه: (تَغْسِلُ المَنيَّ) أي: أَبْصَرُ أثَرَ الغَسْلِ، فالضَّمير البارِزُ عائدٌ على الأثَرِ.
          ويحتملُ أنَّ الضَّمير عائدٌ على (المَنِيَّ)، بمعنى لونه؛ لأنَّ العربَ تردُّ الضَّميْر لأقْرب مذْكورٍ، وهذا الضَّميرُ مفعولُ (أَرَى).
          وفي بعضِ النُّسخِ: «قال(1): أَرَى» بدون الضَّميْر المنْصوْب، وقوله: (فيْهِ) متعلِّقٌ ﺑ (أَرَى)، وضميرُه عائدٌ على الثَّوْب.
          وقوله: (بُقْعَةً أوْ بُقَعَاً) بضمِّ الباءِ الموحَّدة فيهما، وفَتْح القافِ في الثَّاني، وآخِرُه عَيْنٌ مُهملةٌ، جمعُ بُقْعَةٍ: أي: مَوضعٌ يخالف لونُه ما يَلِيه.
          وهذا من كلام عائشةَ، ويحتملُ أنْ يكون من كلام سُليمان بنِ يَسارٍ الرَّاوي عنها.
          فإنْ قلْتَ: إنَّ سليمان تابِعيٌّ لا صحابيٌّ فلا يصلح أن يكون الشَّكُّ منه؟!
          أُجِيْبَ بأنَّ في الكلام تقديراً، أي: قالتْ عائشةُ: ثُمَّ أَراه بُقْعةً أو بُقَعاً، لا أدْري أيّهما قالَتْ.
          فأوَّلُ الكلامِ نَقْلٌ بالمعنى؛ لأنَّ أصلَ الكلام أنْ يقالَ: إنِّي كنت أغسل، وآخرُ الكلام نقلٌ للفظِ عائشةَ بعَيْنِه، فقوله: (أَرَاهُ) مِن كلام عائشةَ على كُلِّ حالٍ.
          وأمَّا الشَّكُّ، فإنْ كان من عائشةَ فهو شكٌّ في المرئيِّ لها أَهُو بُقْعةٌ أو بُقَعٌ، وإنْ كان من سليمان فهو شكٌّ منه في لفظ عائشةَ، هل قالتْ لَه: أراهُ بُقْعةً أو بُقَعاً.
          قوله: (وَفِي رِوَايَةٍ...) إلى آخرِه.
          هذه الرِّوايةُ ليستْ في البخاريِّ، فلعلَّها رِوايةٌ أُخرى في غيره.
          وفي الحديث دليلٌ على رَفْع النَّجاسة إذا غسلت بالماء وذهب جرْمُها وبقيَ لَونُها، وهذا مبْنيٌّ على مذْهب الإمامِ مالكٍ وأبي حَنِيفةَ القائلَين بنجاسة المَنيِّ.
          وأمَّا على مذهبِ الإمامِ الشَّافعيِّ والإمامِ أحمدَ القائلَين بطهارتِه، فيكون هذا الغسل لتنجس المنيِّ بالمجرى، أي: مجرى البَوْلِ، أو برطوبة الفَرْج الباطِنة التي لا يصلها ذكر المجامع، أو الغسل للتَّنزِيه مِن هذا الأمر المستقذر لا للوُجوب جَمْعاً بين رِواية الحكِّ والفركِ ورِوَايةِ الغسلِ.
          والحاصلُ: إنَّه يجبُ غسله عِنْد الإمام مالكٍ مُطْلقاً سواءٌ كان رَطْباً أو جافَّاً، وأمَّا عِنْد الإمام أبي حَنيفَةَ يجبُ فركه وحكُّه إن كان جافَّاً، وإنْ كان رَطْباً وجبَ غسلُه، وأمَّا عند الإمام الشَّافعيِّ والإمام أحمدَ لا يجب غسله ولا فركه ولا حكُّه مُطْلَقاً.
          وهذا الحديث ذكَره البخاريُّ في باب: إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهبْ أثره.


[1] كذا في الأصل، وفي «م»: ثم.