حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: أن النبي كان يبيع نخل بني النضير

          208- قولُه: (نَخْلَ بَنِي النَّضِيْرِ) [خ¦5357] أي: الذي أفاءَهُ اللهُ على رَسولِه صلعم ممَّا لم يُوجف المُسلمون عليه بخَيْل ولا ركابٍ، وكان لرسولِ الله صلعم خاصَّة.
          وبَنُو النَّضيْر _بفَتْح النُّونِ وكسرِ الضَّادِ_ يَهودُ خَيْبرَ.
          قوله: (وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ) أي: زَوْجاتِه وعيالِه (قَوْتَ سَنَتِهِمْ) تطْييْباً لقُلُوبهم وتشْريعاً لأُمَّته، ولا يعارضه حديث(1): «إنَّه كانَ لا يَدَّخِرُ شَيئاً لِغَدٍ»؛ لأنَّ معنى هذا أنَّه كان لا يدَّخِر شيئاً لنَفْسِه، وحديثُ البابِ في الادِّخارِ لأهلِه، ولو كان له في ذلك مُشاركة، لكن المعنى أنَّهم المقصد بالادِّخار دونه، حتَّى لو لم يوجدوا لم يدَّخر.
          فَفيه جوازُ ادِّخارِ القُوت للأهْل والعيال، وأنَّه ليس احْتِكاراً ولا مُنافياً للتَّوكُّل، وأمَّا ادِّخارُ القَوْت لمن يَشْتريه من السُّوق في زَمَن الغلاءِ ليبيعه فيه بأكثر مِن ثَمَنِه فَحَرامٌ، وإلَّا فلا يحرم.
          قال ابنُ دَقيْقِ العِيْد(2): والمتكلِّمونَ على لِسان الطَّريقةِ، جَعَلوا _أو بعضهم_ ما زادَ على السَّنَة خارِجاً عن طريقةِ التَّوكُّلِ. انتهى.
          ومَع كَونه صلعم كان يَحْبِسُ قَوْتَ سنةٍ لعيالِه، فكان في طُول السَّنة ربَّما استجرَّه منهم لمن يَرِد عليه ويُعوضهم عنه؛ ولذلك ماتَ صلعم ودِرْعُه مَرْهُونةٌ على شعيرٍ اقْتَرضَه قُوتاً لأهلِه.
          وفيه إشارةٌ إلى الرَّدِّ على الطَّبَريِّ، حيثُ استدلَّ بالحديث على جوازِ الادِّخارِ مُطْلقاً خلافاً لمن منعَ ذلك.
          وفي الذي نقلَه الشَّيخُ تقييدٌ بالسَّنة اتباعاً للخبَر الوارِد، لكنَّ استدلالَ الطَّبريِّ قويٌّ، بلِ التَّقييدُ بالسَّنة إنَّما جاءَ مِن ضرورةِ الواقِعِ؛ لأنَّ الذي كان يُدَّخَر لم يكن يحصل إلَّا من السَّنةِ إلى السَّنة؛ لأنَّه كان إمَّا تمراً وإمَّا شَعيراً، فلو قدِّر أنَّ شيئاً ممَّا يُدَّخَر كان لا يحصل إلَّا من سنتَين إلى سنتَين لاقْتَضى الحال جواز الادِّخَارِ لأجل ذلك، واللهُ أعلمُ.
          وهذا الحديث ذكَره البخاريُّ في باب: حَبْس الرَّجُلِ قَوْتَ سنةٍ على أهْلِه.
          أي: لأجْلِ أهْلِه.


[1] ت 2362، حبان 6356، 6378.
[2] إحكام الأحكام ص497.