حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: رأيت النبي وهو على ناقته وهي تسير

          202- قوله: (وَهُوَ على نَاقَتِهِ) [خ¦5047] جملةٌ حاليَّةٌ مِن النَّبيِّ صلعم.
          وقولُه: (أَوْ جَمَلِهِ) شكٌّ من الرَّاوي.
          وقوله: (وَهِيَ تَسِيْرُ) جملةٌ حاليَّة مِن (نَاقَتِهِ).
          وقوله: (وَهُوَ يَقْرَأُ) جُمْلةٌ حاليَّةٌ من (النَّبيِّ صلعم).
          وقوله: (أَوْ مِنْ سُوْرَةِ الفَتْحِ) شَكٌّ من الرَّاوِي.
          قوله: (وَهُوَ يُرَجِّعُ) أي: يُكَرِّر صَوْتَه بقراءتِه ويطرب فيها يقول: آء آء آء ثلاث مرَّاتٍ بهمْزةٍ مفْتُوْحةٍ، بَعْدها ألِفٌ، فهمْزةٌ أُخرى، وهو محمولٌ على إشْباعٍ في محلِّه، نحو: آأنذرتهم، بمَدِّ الهمْزة الأُولى.
          وليس المرادُ ترْجيعَ الغِناءِ كما أحْدَثَه قُرَّاءُ زَمانِنا، عَفَا اللهُ عنَّا وعنْهم، ووفَّقَنا أجمعين لتلاوة كتابِه / على النَّحْوِ الذي يُرضيه عنَّا، بمَنِّه وَكَرَمِه.
          وبهذا الحديث أخذَ الشَّافعيُّ وأبو حَنيفَةَ.
          ومنعَ مالكٌ التَّرْجيعَ.
          وقيل: حَرامٌ.
          وقيل: مكْروهٌ، وهو المُعتَمَدُ.
          وأجابَ مَن منع بأنَّ هذا من هز الدَّابة، ومحلّ هذا إذا كان القارئُ يأْتي بأحكامِه جميعاً، وأمَّا إذا أخلَّ بشيءٍ منْها فأجْمَعُوا على حُرمة ذلك.
          وإذا جمعتَ هذا الحديثَ إلى قوله صلعم: «زَيِّنُوا القُرآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ»(1)، وخبرِ أُمِّ هانئٍ(2): «كنتُ أسْمعُ صَوْتَ النَّبيِّ صلعم وهُو يقْرأُ وأنا نائمةٌ على فراشي يُرجِّعُ القُرآن»، ظهرَ لك أنَّ هذا التَّرْجيعَ منْه ╕ كان اخْتياريّاً لا اضطراريّاً لهز النَّاقة له.
          فإنَّه لو كان لهزِّ النَّاقةِ لَه لما كان داخلًا تحت الاخْتيار، فلم يكُن عبدُ الله بنُ مُغفَّلٍ يفعلُه ويحكيه اختياراً ليتأسى به ثمَّ يقول: كان يُرجِّع، فنسبَه إلى فِعْلِ النَّبيِّ صلعم.
          وقد ثبتَ في رِوايةِ عليِّ بنِ الجعْدِ، عَن شُعْبةَ عِنْد الإسْماعيْليِّ فقال: «لولا أنْ يجتمعَ النَّاسُ عَلَينا، لقرأتُ لكُم بذلك اللَّحْن»، أي: النَّغَم.
          وفي الحديثِ دِلالةٌ على مُلازمتِه صلعم للعِبادة؛ لأنَّه حالة ركوبِ النَّاقة وهو يسيرُ لم يترُكِ العِبادةَ بالتِّلاوة، وفي جهرِه بذلك إرشادٌ إلى أنَّ الجهْرَ بالعِبادة قد يكون في بعض المواضِع أفضلُ من الإسْرارِ، وهو عند التَّعليم وإيقاظِ الغافِل ونحو ذلك.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: التَّرْجيع.


[1] ذكره البخاري في عنوان الباب قبل ح 7544، د 1468، س 1015_1016، ـه 1342، حم 18518 ومواضع أخرى.
[2] ذكره في الفتح 9/92.