حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم

          19- قوله: (نَعَسَ) [خ¦212] بفَتْحِ العَيْنِ.
          قالَ في «المختار»: النُّعَاسُ: الوَسَنُ، وقدْ نَعَسَ يَنْعُسُ بالضَّمِّ، ونَعَسَ نَعْسَةً واحِدةً، فهو ناعِسٌ. انتهى.
          وقالَ في «المصْباح»: / نَعَسَ يَنْعُسُ، مِن بابِ قَتَلَ، والاسْمُ النُّعاسُ، فهُو ناعِسٌ، والجمْعُ نُعَّسٌ مِثْلُ راكِعٍ ورُكَّعٍ، والمَرأةُ ناعِسَةٌ والجمْعُ نَوَاعِسُ، ورُبَّما قيلَ: نَعْسَان ونَعْسَى حمْلاً على وَسْنان ووَسْنَى.
          وكَثيراً ما يُحمَلُ الشَّيءُ على نَظِيرِه. انتهى.
          والنُّعاسُ أَخَفُّ منَ النَّوْم، وعلامتُه سماعُ كلام الحاضِرين وإنْ لم يفهمْه.
          قوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) جملةٌ اسميَّةٌ حاليَّةٌ مقترنةٌ بالواوِ والضَّميرِ معاً.
          وصاحبُ الحالِ لفظُ (أَحَدُ) وهو قيدٌ في (نَعَسَ)، أي: نَعَسَ بقيدِ كونه يُصلِّي؛ لأنَّ الحالَ قيدٌ في عاملِها وَصْفٌ لصاحِبِها.
          قوله: (فَلْيَرْقُدْ) أي: فلْينَمِ احْتياطاً بعد إتمام صلاتِه بالسَّلام، لا أنَّه يقطعها بمُجرَّد النُّعاسِ؛ فإنَّ قطْعَ الفَرْضِ حَرامٌ، خِلافاً للمُهلَّبِ، حيثُ حملَ هذا الحديثَ على ظاهرِه وقال: هو مأْمورٌ بقَطْع الصَّلاةِ.
          نَعَمْ؛ إنْ حُملَ الحديْثُ على ما إذا غَلَبَه النُّعاسُ بحيث لم يفهم مَّا يقرأهُ فإنَّه يقطعُ الصَّلاةَ.
          أو حُمل على صلاة النَّفْلِ فإنَّه يقطعها أيضاً.
          وحِكْمةُ الأمْرِ بالرُّقَادِ: إنَّه ربَّما يدعو لنفْسِه فيدعو عليها، فيُوافق ساعةَ إجابةٍ فينفُذُ ما دعاهُ على نفسِه؛ هكذا قالَه المؤلِّف ابنُ أبي جَمْرةَ.
          فإنْ قلْتَ: هذه الحكْمةُ تفيدُ طلبَ النَّوْم مِنْ كلِّ ناعِسٍ، ولا تختصُّ بمَن نَعَسَ في الصَّلاة!؟
          أُجِيْبَ بأنَّه خصَّ الأمْر بالرُّقادِ بمَن نَعَسَ في الصَّلاة لإفادة أنَّه يطلب منه ترك فِعْل الأذكارِ الواردة عَقِبَ الصَّلاةِ.
          قوله: (حَتَّى يَذْهَبَ) غايةٌ لقولِه (فَلْيَرْقُدْ).
          وقولُه: (فَإنَّ أَحَدَكُمْ) علَّةٌ لقولِه: (فَلْيرْقُد).
          قَوله: (وَهُوَ نَاعِسٌ) جُملةٌ حاليَّةٌ مُقترنةٌ بالواوِ والضَّمير، وصاحبُ الحالِ الضَّميرُ المُستتِر في (صَلَّى).
          فإنْ قلْتَ: لمَ عَبَّر أوَّلاً بلفظِ الماضي الذي هو (نَعَسَ)، وثانياً بلفظِ اسمِ الفاعلِ الذي هو (نَاعِسٌ)؟
          أُجِيْبَ بأنَّه غايرَ في التَّعبير تنْبِيهاً على أنَّه لا(1) يكفي تجدُّد أدْنى نُعاسٍ، بل لابُدَّ مِن ثُبوتِه، بحيث يُفضي إلى عدَمِ درايتِه بما يقولُ وعَدمِ عِلْمِه بما يقرأُ، وليس المرادُ تجدُّدَ أدْنى نُعاسٍ مَع ذهابِه في الحالِ.
          فإن قلتَ: هل بَيْنَ قَوله: نَعَسَ وهو يُصلِّي، وصلَّى وهو ناعِسٌ فَرْقٌ؟!
          أُجِيْبَ بأنَّ الحالَ قيدٌ وفضلة، والقصدُ في الكلام ما له القيد.
          فَفي الأوَّل: لا شكُّ أنَّ النُّعاسَ هو عِلَّةُ الأمرِ بالرُّقاد لا الصَّلاة، فهو المقصود الأصلي في التَّركيب.
          وفي الثَّاني: الصَّلاةُ علَّةُ الاستغفارِ؛ إذْ تقديرُ الكلامِ: فإنَّ أحدَكُم إذا صلَّى وهو ناعِسٌ يَسْتغفر.
          والفَرْقُ بين التَّركيبَين هو الفرْقُ بين ضُرِبَ قَائماً وقامَ ضَارِباً، بأنَّ الأوَّلَ يحتملُ قياماً بلا ضَرْبِ، والثَّاني: ضَرْباً بلا قِيامٍ؛ كذا ذَكَر القَسْطلَّانيُّ(2).
          ولعلَّ الظَّاهرَ العكسُ، بأن يقال: الأوَّل يحتمل ضَرْباً بلا قيامٍ، والثَّاني قياماً بلا ضَرْبٍ.
          قوله: (لا يَدْرِي) أي: لا يعلم ما يقعُ مِنْه من القَولِ، وقوله: (لَعَلَّهُ) معلَّقة ﻟ (يَدْرِي) وضميرُها عائدٌ على / المصلِّي، أي: لعلَّ المصلِّي (يَسْتَغْفِر)، أي: يرجو منَ الله المغفرةَ، والمعنى: لا يَدْري أمُستغفرٌ أَمْ سابٌّ مترجياً للاستغفارِ، فهو في الواقع بضِدِّ ذلك.
          قوله: (فَيَسُبُّ نَفْسَهُ) أي: يدعو عليها، وهو بالرَّفْع عطفٌ على (يَسْتَغْفِرُ)، وبالنَّصْب بأنْ المُضْمَرة وُجوباً بعد الفاءِ الواقعة في جواب التَّرجِّي.
          ونظيرُ الوَجْهَين قولُه تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ} [عبس:3-4]، قرأَ عاصمٌ بالنَّصْب، والباقونَ بالرَّفْعِ.
          وفي روايةٍ: «يَسُبُّ» بدونِ فاءٍ، فالجملةُ حاليَّةٌ مقترنةٌ بالضَّمير، أي: يرجو منَ الله الغُفرانَ في حالِ سَبِّه نفسه فيتكلَّم بما يجلبه للذَّنْب مَع أنَّ مقصودَه غُفران ما وقعَ فيه منَ الذَّنْبِ.
          ووقعَ في حديثٍ آخرَ[د1119، ت529، حم4741]: «إذا نَعَسَ أَحَدُكُمْ _زادَ التِّرْمذيُّ: يَوْمَ الجمْعةِ_ وهُو في المسْجدِ فَلْيتَحَوَّلْ»، أي: لأنَّ الإنسانَ إذا تحوَّل ذهبَ عنه النَّوْمُ بحُصولِ الحركَةِ، فإنْ لم يكُن فضاء في الصَّفِّ قامَ ثمَّ جَلَسَ.
          واختلفَ هلِ النَّوْمُ في ذاتِه حَدَثٌ أو هو مظنَّة الحدَث؟
          فنقلَ ابنُ المُنْذِرِ عن بعض الصَّحابةِ والتَّابعين رضي اللهُ عنهم أجمعين؛ وبِه قالَ إسحاقُ والحسنُ والمزنيُّ وغيرُهُم، أنَّه في ذاته ينقض الوضوء مُطْلَقاً، وعلى كُلِّ حالٍ وهَيئةٍ؛ لعُموم حديثِ صَفْوان بنِ عَسَّالٍ ☺ المروي في «صحيحِ ابنِ خُزيْمةَ»؛ إذْ فيه: «إلَّا مِنْ غائطٍ، أوْ بَوْلٍ، أو نَوْمٍ»(3)، فسوَّى بينها في الحُكْم.
          وقالَ آخَرون بالثَّاني؛ لحديثِ أبي داوُدَ[203] وغيرِه(4): «العَيْنانُ وِكَاءُ السَّه، فمَنْ نامَ فلْيتَوضَّأ».
          واختلفَ هؤلاء، فمنهم مَّن قال: لا ينقض القليل؛ وهو قولُ الزُّهْريِّ ومالكٍ وأحمدَ ♥ في إحْدى الرِّوايتَين عنْه.
          ومنهم مَّن قال: يَنْقُضُ مُطْلَقاً إلَّا نَوْمَ مُمكِّنٍ مَقْعَدَتُه مِن مَقَرِّه فلا يَنقُض؛ لحديثِ أَنسٍ ☺ المرويّ في «مُسلمٍ»[125/376]، أنَّ الصَّحابةَ ♥ كانوا يَنامُونَ ثمَّ يُصلُّون ولا يتوَضَّؤون.
          وحمل على نَوْم الممكِّن جَمْعاً بين الأحاديْث؛ وهذا مذْهبُ الأُستاذِ الشَّافعيِّ وأَبي حَنيْفَةَ.
          وقالَ مالكٌ ♥: إنْ طالَ نقض؛ وإلَّا فلا.
          وقال آخرون: لا يَنْقُضُ النَّوْم بحالٍ؛ وهو مَحكيٌّ عن أبي مُوسى الأشْعريِّ وابنِ عُمَرَ ومكْحُولٍ.
          ويُقاس على النَّوْمِ الغَلَبةُ على العَقْل بجُنونٍ أو إغْماءٍ أوْ سكرٍ؛ لأنَّ ذلك أبلَغُ في الذُّهُولِ منَ النَّوْمِ الذي هو مظنَّةُ الحدَثِ على ما لا يخفى.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: الوضوءُ منَ النَّوْمِ.


[1] كذا في الأصل، وسقطت في «م»!
[2] إرشاد الساري 1/284.
[3] 17 بلفظ: «إلا من غبابة، ولكن من غائط وبول ونوم».
[4] [ـه 477، البيهقي 589، حم 887].