حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر

          189- قولُه: (لَتَتَّبِعُنَّ) [خ¦3456] اللَّامُ مُوطِّئةٌ للقَسَمِ، و(تَتَّبِعُنَّ) بتشديد التَّاءِ الفوقيَّة الثَّانية، وكسرِ الباءِ الموحَّدة، وضمِّ العَين، وتشديدِ النُّونِ.
          قوله: (سَنَنَ) بفَتْح السِّيْن، بمعنى: السَّبِيل والطَّرِيق، فهو مُفردٌ، وأمَّا بضمِّها فهو جمعٌ بمعنى: الطُّرُق، وليس رِوايةً، والأوَّلُ هُو الرِّوايةُ.
          قوله: (مَنْ قَبْلَكُمْ) أي: الذين قَبْلكم.
          قولُه: (شِبْراً) حالٌ من الاتباع المفْهوم من الفِعْل، والباءُ في قولِه: (بِشِبْرٍ) للمُلابسةِ، وفيه مُضافٌ مقدَّرٌ، والتَّقديرُ: حال كون اتباعكم شِبْراً، أي: مُلْتبساً بشِبْرٍ، أي: اتباع شبرٍ مُلْتبسٌ باتباع شِبْرٍ.
          وكذا يقالُ في قولِه: (وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ)، وهذا كِنايةٌ عن شدَّة المُوافَقَة لهم في المُخالَفاتِ والمعاصي، لا في الكُفْرِ.
          قولُه: (حَتَّى لَوْ سَلَكُوا) غايةً ومُبالغةً في الاتباعِ.
          قوْله: (جُحْرَ) بضمِّ الجيْمِ، وسُكُون الحاءِ، ويُجْمع على: جِحَرَةٍ كَعِنَبةٍ، وعلى: أَجْحَارٍ أَيضاً.
          وقوله: (ضَبٍّ) بفَتْح الضَّادِ المُعجمة، وتشديدِ الموحَّدة، دُوَيْبةٌ مَعْروفةٌ تُشْبِهُ الوَرَلَ.
          قالَ ابنُ خالويه: إنَّه يعيشُ سَبْعَ مئة سنةٍ، ولا يَشْرب الماءَ، أي: بلْ يكْتفي بالنَّسيم من الرِّيْح.
          قيل: إنَّه يبولُ في كلِّ أربعين يوْماً قطرةً، ولا يسقط لَه سِنٌّ، وأسنانُه صفيحةٌ واحِدةٌ.
          وفي كتاب «العُقوبات»(1) لابنِ أبي الدُّنيا، عَن أَنسٍ: «إنَّ الضَّبَّ لا يمُوت في جُحْرِه هذا إلَّا مِنْ ظُلْمِ بَني آدَمَ».
          وخصَّ جُحْر الضَّبِّ بالذِّكْر لشدَّة ضيقِه ورَداءتِه، ومَع ذلك فإنَّهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم، لو دَخَلوا في مِثْل هذا الضّيق الرَّديء لَوافَقوهم.
          قوله: (اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى) أي: الذي نتَّبعهم هُمُ اليهودُ والنَّصارى.
          قوله: (قَالَ: فَمَنْ) استفهامٌ إنْكاريٌّ بمَعْنى النَّفْي، أي: ليسَ المُراد غيرهم.
          ولأبي ذَرٍّ: «قَالَ النَّبِيُّ صلعم: فَمَنْ».
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في الباب السَّابِقِ.


[1] العقوبات لابن أبي الدنيا برقم ░268▒.