حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث أبي هريرة: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر

          171- قوله: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ) [خ¦3254] أي: جماعةٍ.
          قوله: (تَلِجُ الجنَّةَ) أي: تدخُلها.
          قالَ في «المخْتار»: وَلَجَ يَلِجُ _بالكَسْرِ_ وُلُوْجَاً، أي: دَخَلَ. انتهى.
          قوله: (على صُوْرَةِ القَمَرِ) أي: في الإضاءة والحُسْنِ.
          قوله: (لا يَبْصُقُوْنَ) بالصَّادِ المُهمَلة المضْمُومة.
          قال في «المُخْتار»: البُصَاقُ: البُزَاقُ، وقد بَصَقَ، مِنْ باب نَصَرَ. انتهى.
          قوله: (فِيْهَا) أي: في الجنَّةِ.
          قوله: (وَلَا يَتَمَخَّطُوْنَ) أي: لا يَسيل من أنْفِهِم شيءٌ مُستقذَرٌ.
          قوله: (وَلَا يَتَغَوَّطُوْنَ) أي: ولا ينزل مِنْهم فضلةٌ.
          وكنَّى بهذا عن عَدَم خُروج خارِجٍ من السَّبيْلَين مَعاً.
          زادَ مُسلمٌ[19/2835] في رِوايتِه: «طَعَامُهُمْ ذلِك [جُشَاءٌ كَرَشْحِ](1) المِسْكِ».
          قوله: (آنِيَتُهُمْ فِيْهَا) أي: في الجنَّة.
          وقولُه: (الذَّهَبُ) أي: والفِضَّةُ.
          قوله: (وَأَمْشَاطُهُمْ) أي: التي يتمشَّطون بها لا لاتِّساخ شُعورهم بلْ للتَّلذُّذِ.
          قوله: (وَمَجَامِرُهُمُ) بفَتْح الميْم الأُولى، وكسرِ الثَّانية، جمع مِجْمَرَةٍ، وهي المِبْخَرةُ التي يُتبخَّرُ فيها، فسمِّي بها البَخُور مَجازاً، أو هي باقيةٌ على حقيقتِها، والكلامُ على حَذْفِ مُضافٍ فيصح الإخبار، أي: وعُوْدُ مَجامِرهم.
          قوله: (الأَلُوَّةُ) بفتْح الهمْزة وتُضمُّ، وبضمِّ اللَّام، وتشديد الواوِ، وحُكي كسرُ الهمْزة وتخفيف الواوِ مَع سُكُون اللَّامِ.
          قالَ الأَصْمَعيُّ: أراها فارِسيَّةً عُرِّبَتْ، وهو العُوْدُ الهِنْدي الذي يُتبخَّر به.
          واستشكلَ بأنَّ العُودَ إنَّما يفوح رِيْحه بوضعِه في النَّار، والجنَّة لا نار فيها!؟
          وأُجِيْبَ باحتمالِ أنْ يكونَ في الجنَّة نارٌ لا تسليط لها على الإحْراق إلَّا إحْراق ما يُتبخَّر به خاصَّةً ولم يخلق الله تعالى فيها قوَّةً يتأذَّى بها مَن يمسكها أصلاً.
          أو يقال: يشتعل العُوْدُ(2) مِن غَيْر نارٍ، فتفوح رائحتُه، والله قادرٌ على ذلك، أو تفوح رائحتُه بغير اشتعالٍ.
          قوله: (وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ) أي: عرقهم كالمِسْك في طيبِ رِيْحِه.
          قوله: (وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ) أي: من نِساءِ الدُّنيا.
          وقيل: مِن الحورِ العين.
          فإن قلتَ: ما وَجْه التَّثنية، وقد يكون للشَّخص أكثر!؟
          قلتُ: قد تكون التَّثنيةُ نظَراً لما وردَ مِن قولِه تعالى: {جَنَّتَانِ} و{عَيْنَانِ} و{مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:46 - 50 - 64].
          أو يُراد من التَّثنية التَّكْثيرُ، نحو: لبَّيك، وسَعْدَيْك.
          أو يقال: إنَّ التَّثنية باعتبارِ الأقل لكلِّ واحدٍ، وإلَّا فقد وردَ عَن أَبِي أُمامةَ[ه 4337]، عنْ رَسولِ الله صلعم قال: «ما مِنْ عَبْدٍ يدخل الجنَّةَ إلَّا ويُزوَّجُ اثنَين وسبعين زَوْجةً، / ثنْتان من الحور العين، وسَبعون من أهْل الدُّنيا، ليسَ منهنَّ امرأةٌ إلا ولها قُبُلٌ شَهِيٌّ، ولَه ذَكَرٌ لا يَنْثَني».
          وفي رِوايةٍ، عن أَنسٍ(3) قال: قالَ رسوْلُ الله صلعم: «للمُؤمن في الجنَّة ثلاثٌ وسَبْعون زَوْجةً، فقُلْنا: يا رسول الله أَوَلَه قوَّة ذلك؟! قال: إنَّه ليُعطى قوَّة مئةٍ».
          وفي روايةٍ: «إنَّ للمُؤمن في الجنَّة لخَيْمةً من لؤلُؤٍ مجوَّفةً، طولُها ستُّون ميْلاً، للعَبْد(4) المؤمن فيها أهْلون يطوف عليهم، لا يرى بعضُهم بَعْضاً».
          وقوله: (زَوْجَتَانِ) بتاء التَّأنيث، والأشهرُ تركُها.
          قوله: (يُرَى) بضمِّ أوَّله، مبْنياً للمفعُولِ.
          وقوله: (مُخُّ) بضمِّ الميْم، وتشديد الخاءِ المعجمة، والرَّفْع نائب فاعله.
          ولأبي ذَرٍّ: (يَرَى) مبْنياً للفاعلِ، و(مُخَّ) بالنَّصْب على المفعوليَّة، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ عائدٌ على (كُلِّ واحِدٍ).
          والمُخُّ: ما في داخِل العَظْمِ.
          قوله: (سُوْقِهِمَا) جمعُ سَاقٍ، وهو ما بين الرُّكْبة والكَعْبِ، ولم يقُلْ: ساقيهما؛ لئلَّا يتوالى تثْنيتان، فهو على حدِّ قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4].
          وفي بعضِ النُّسخ: «سَاقِهِمَا»، بإفْرادِ سَاقٍ.
          قوله: (مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ) أي: والجلْد.
          وقوله: (مِنَ الحُسْنِ) أي: مِن أجل الحُسْن والضِّياء البالِغ، ورِقَّةِ البَشَرة، ونعومة الأعضاءِ.
          وفي حديث أَبي سعيدٍ المَروزِيِّ(5) عِنْد أَحمدَ [م 11733، حب 7397]: «يَنْظُرُ وَجْهَه في خَدِّها أَصْفى منَ المِرْآةِ».
          وفي حديثِ ابنِ مسْعودٍ عنْدَ ابنِ حِبَّانَ في «صحيحِه»[7396] مَرْفُوعاً: «إنَّ المرأةَ مِنْ نِساءِ أهْلِ الجنَّة ليُرى بَياضُ ساقِها وراء سَبْعين حُلَّةً، حتَّى يُرى مُخُّها، وذلك أنَّ اللهَ تعالى يقول: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58]».
          قولُه: (لا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ) أي: بين أهْلِ الجنَّةِ.
          وقوله: (ولا تَبَاغُضَ) عطْفُ تفسيرٍ، وذلك لصفاءِ قُلوبهم ونظافتِها منَ الكدوراتِ.
          وقوله: (قُلُوْبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ) أي: كقَلْبٍ واحِدٍ.
          ولأبي ذَرٍّ، عن الكُشْميهَنيِّ: «قَلْبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ».
          وقوله: (يُسَبِّحُوْنَ اللهَ) أي: تلذُّذاً لا تكْليفاً، فقد تنوَّرت قُلُوبهم بمعرفةِ الله تعالى، وامتلأتْ بحُبِّه، فنشأ عن ذلك التَّسْبيحُ.
          قوله: (بُكْرَةً وَعَشِيّاً) نصْبٌ على الظَّرفيَّة، أي: مِقْدارَهُما يعلمون ذلك.
          قيلَ: بستارةٍ تحت العَرْش إذا نُشرت يكون النَّهارُ لو كانوا في الدُّنيا، وإذا طُويت يكون اللَّيلُ لو كانوا فيها.
          أوِ المرادُ: الدَّيْمُومةُ، كما تقولُ العَرَبُ: أنا عِنْدَ فُلانٍ صَباحاً ومَساءً، لا يقصد الوَقْتَين المعْلُومَين، بلِ الدَّيموْمة.
          قالَه في «شَرْح المِشْكاة»(6).
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: صِفة الجنَّة وأنَّها مخلوقةٌ.


[1] قوله: «[جُشَاءٌ كَرَشْحِ]» زيادة من «ت»: ونشاء كريح. وفي «ف3» و«ز1»: ونتاء كريح. وفي «ز3»: ونشا كريح. وفي الأصل و«ف1» و«ز4» و«ز5»: ونَتأ كريح. وفي «ز2» و«م»: وينشأ كريح.
والمثبت من «صحيح مسلم».
[2] كذا في الأصل وغيرها، وسقطت من «م».
[3] لم أجده بهذا اللفظ (ليعطى قوة مئة) في حم 19288، طب 5006، وغيرهما عن زيد بن أرقم.
[4] ذكره صاحب الكنز 39275، 39387، وعزاه مرة للطبراني ومرة لأحمد عن أبي موسى ولم أجده فيهما. وأصله البخاري بلفظ: «الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلاً في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون» [خ¦3243].
[5] كذا في جميع النُّسخ! والحديث في «مسند الإمام أحمد» من حديث أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه!
[6] المسمَّى ﺑ «الكاشف عن حقائق السُّنن» لشرف الدِّيْن الطيبيِّ ░11/ 3556 – باز▒.