حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله اللهم جنبنا...

          167- قَوله: (أمَا) [خ¦3271] بتخفيف / الميْم، أداةُ اسْتفتاحٍ بمَنْزِلة: ألَا.
          قالَ في «المغْني»: (أمَا) على وَجْهَين:
          أحدِهما: أنْ تكونَ حَرْفَ استِفتاحٍ بمَنزلة: ألَا، وتكثُر قبلَ القَسَمِ، كقوله:
أمَا والذي أبكى وأضْحكَ، والذي                     أَماتَ وأحْيا، والذي أَمْرُه الأَمْرُ
          والثَّاني: أنْ تكونَ بمعنى: حَقّاً، ظَرْفٌ أيضاً مفردٌ بالاستفهام، على خلافٍ في ذلك، وهذه تفتح بعدها أن كما تفتح بعد حَقّاً، وهي حَرْفٌ عند ابنِ خَرُوْفٍ، وجعلها مَع أن ومعمولها كلاماً تركَّب مِن حرْفٍ واسمٍ كما قالَ الفارِسيُّ(1) في: يا زيد.
          وقال بعضُهم: اسمٌ بمعنى: حَقّاً.
          وقال آخرونَ: هي كلمتانِ، الهمزةُ للاستفهام، و(ما) اسمٌ بمعنى: شيءٌ، أي: ذلك الشَّيء حقّ، فالمعنى: أَحَقٌّ، وهذا هو الصَّوابُ، وموضعُ (مَا) النَّصْبُ على الظَّرفيَّة كما انتصب حقًّا على ذلك في قوله:
          أَحَقّاً أنْ جِيْرتَنا اسْتَقَلُّوا...
          وهو قولُ سِيْبوَيْه، وهو الصَّحيحُ بدليلِ قولِه:
          أَفِي الحقِّ أنِّي مُغْرَمٌ بِكَ هائمٌ...
          وأن وصِلَتُها مُبتدأٌ، والظَّرْفُ خَبَرُه(2). انتهى.
          قوله: (إنَّ أَحَدَكُمْ...) إلى آخره.
          وفي رِوايةٍ لأبي داوُد[2161]: «لو أنَّ أحَدَكُم إذا أرادَ أنْ يَأْتي أهْلَه».
          وعند الإسْماعيليِّ، مِن رِواية رَوْحِ بنِ القاسمِ، عَنْ منْصورٍ: «لو أنَّ أَحَدَكُمْ إذا جامَعَ امْرأته ذَكَر اللهَ تعالى».
          قوله: (إذا أَتَى أَهْلَهُ) أي: زوْجتَه، وهو كِنايةٌ عن الجِماع.
          قوله: (جَنِّبِنْا) أي: أبعدْنا عن(3) الشَّيطان.
          وقوله: (مَا رَزَقْتَنَا) أي: من الوَلَد.
          وقوله: (فَرُزِقَا وَلَدَاً) أي: ذَكَراً أوْ أُنثى.
          قولُه: (لَمْ يَضُرَُّهُ الشَّيْطَانُ) بضمِّ الرَّاء المشدَّدة وفتحِها، أي: لم يُصبه _أي: الوَلَد_ في بَدَنِه أو دِيْنه.
          واستبعدَ لانتفاءِ العِصْمة!؟
          وأُجِيْبَ بأنَّ اختصاصَ مَن اختصَّ بالعِصْمة بطرِيق الوُجوب لا بطرِيق الجواز، أو لم يفتنه بالكُفر، أو لم يشارك أباهُ في جِماع أُمِّه كما رُوي عن مُجاهدٍ(4): «إنَّ الذي يُجامع ولم يُسمِّ، يلتفُّ الشَّيطانُ على إحليلِه فيُجامع مَعَه».
          وفي «الجامع الصَّغيْر»[8016]: «ما مِنْ بَني آدَمَ مَوْلُوْدٌ إلَّا يَمَسُّه الشَّيْطانُ حِيْنَ يُوْلَد، فيَسْتَهِلُّ صارِخاً مِنْ مَسٍّ الشَّيْطانِ، غير مَرْيَمَ وابنِها».
          رَواهُ البخاريُّ [خ¦3431] عَن أبي هُريرةَ.
          وفي الحديثِ قالَ ╕: «مَن قالَ: بِسْم الله عِنْدما يُجامع، فإنْ رُزق وَلَداً أُعطي بعدَدِ أنْفاسِه وما تَناسل منه حَسَنات إلى يَوْمِ القِيامةِ».
          وفي حديْث مُسلمٍ[146/2366]: «ما مِنْ مَولودٍ يُولَد إلَّا ينخسه الشَّيْطان فيسْتَهِلُّ صارِخاً مِن نخسة الشَّيْطان، إلَّا ابن مَرْيَم وأُمّه».
          قالَ أبو هُريرةَ: «اقرؤوا إنْ شئتُم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36]».
          وقال النَّوويُّ[15/120]: ظاهرُ الحديث اختصاصُهما بذلك، وأشارَ القاضي إلى أنَّ جميعَ الأنبِياءِ يُشارِكونهما في ذلك.
          ذكَره في «شَرْح مُسلم»[15/120].
          وهذا الحديث ذَكَرهُ البخاريُّ في باب: صِفة إبْليْس أَيضاً.


[1] كذا في «ز2» و«م»، وفي الأصل وباقي النُّسخ: القاري.
[2] ينظر: «مغني اللبيب» لابن هشام (ص: 79 - فكر).
[3] قوله: «أبعدْنا عن» زيادة من الأصل و«ز5»، وفي «م»: أبعد عنا.
[4] ذكره النووي في رياض الصالحين قبل ح 1446 وكذا ابن حجر في الفتح 9/229.