حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين

          156- قولُه: (عَنِ النُّعْمَانِ...) إلى آخرِه [خ¦3159].
          ذَكَر هذا الحديثَ البُخاريُّ مطوَّلاً حيثُ قال:
          عَن جُبيْرِ بنِ حَيَّةَ قال: بَعَثَ عُمر النَّاسَ في أَفْناءِ الأمْصارِ يُقاتِلون المشْركين، فأسْلَمَ الهُرْمُزانيُّ(1) فقالَ: إنِّي مُسْتَشِيْرُكَ في مَغازِيَّ هذه؟
          قال: نَعَم، مَثَلُها ومَثلُ مَن فيها مِن النَّاس مِن عَدُوِّ المُسلمين، مثَلُ طائرٍ له رأْسٌ ولَه جَناحَانِ ولهُ رِجْلانِ، فإنْ كُسر أحدُ الجناحَين نَهَضَتِ الرِّجْلانِ بجَناحٍ والرَّأْسُ، فإنْ كُسر الجناحُ الآخرُ نهضَتِ الرِّجْلانِ والرَّأْسُ، فإنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبتِ الرِّجْلان والجناحانِ والرَّأسُ.
          فالرَّأْسُ كِسْرى، والجناحُ قَيْصَرُ، والجناحُ الآخَرُ فارِسُ، فمُرِ المُسلمينَ فلْيَنْفِرُوا إلى كِسْرى.
          وقال بَكْرٌ وزِيادٌ؛ جَميعاً عَن جُبيْر بنِ حَيَّةَ: فَنَدَبَنا عُمر، واستعملَ علينا النُّعمانَ بنَ مُقرِّنٍ، حتَّى إذا سرنا كُنَّا بأرْضِ العَدُوِّ، وخَرَجَ علينا عامِلُ كِسْرى في أربعين ألْفاً، فقامَ تَرْجُمانُه فقال: ليُكلِّمْني رجُلٌ منكُم؟ فقالَ المُغيْرةُ: سَلْ عمَّا شئتَ؟ قال: ما أنتُم؟
          قال: نَحْنُ أُناسٌ من العَرَبِ، كنَّا في شَقاءٍ شديدٍ، وبَلاءٍ شديْدٍ، نَمَصُّ الجِلْدَ والنَّوى من الجُوْعِ، ونَلْبَسُ الوَبَرَ والشَّعَرَ، ونَعْبُدُ الشَّجَرَ والحجَرَ.
          فبَيْنا نحنُ كذلك، إذْ بَعَثَ رَبُّ السَّموات ورَبُّ الأَرَضْين _تَعالى ذِكْرُه وجَلَّت عَظَمَتُه_ إليْنا نبِيّاً رَسوْلاً من أنفُسِنا، نَعْرِفُ أباهُ وأُمَّه.
          فأمَرَ(2) نبيَّنا رسولَ الله صلعم(3) رَبُّنا أنْ نُقاتِلَكُم حتَّى تَعْبُدوا اللهَ وَحْدَه، أوْ تُؤدُّوا الجِزْيةَ، وأخْبَرَنا نبيُّنا صلعم عن رِسالةِ رَبِّنا: إنَّه مَن قُتِل مِنَّا صارَ إلى الجنَّة في نَعيْمٍ لم يَرَ مِثْلَها قطُّ، ومَن بقيَ مِنَّا مَلَكَ رِقابَكُم.
          فقالَ النُّعْمانُ: ربَّما أَشْهَدَكَ اللهُ مِثْلَها مَع النَّبيِّ صلعم، فَلَم يُندِّمْكَ ولم يُخْزِكَ، ولكنِّي شَهِدْتُ القِتالَ مَع رسولِ الله صلعم، وكان إذا لم يُقاتِلْ في أوَّلِ النَّهارِ، انْتَظَر حتَّى تَهُبَّ الأَرْواحُ وتَحضُرَ الصَّلَواتُ.
          قوله: (شَهِدْتُ) أي: حضرتُ.
          قوله: (وَكَانَ) جملةٌ حاليَّةٌ قُرنت بالواوِ.
          قوله: (في أَوَّلِ النَّهَارِ) وهي الغَدْوةُ.
          قوله: (انْتَظَرَ) أي: القِتال في آخرِ النَّهارِ.
          قوله: (حَتَّى تَهُبَّ) بضمِّ الهاءِ، أي: تخرجُ بعد زَوال الشَّمْسِ.
          قوله: (الأَرْوَاحُ) جمعُ رِيْحٍ _بالياءِ_ وأصلُه رُوْحٌ بالواوِ، بدليلِ الجمْع الذي غالبُ حالِه أنْ يُردَّ الشَّيء إلى أصْلِه، فقُلِبت واوُ المفْردِ ياءً لسُكُونها وانكِسارِ ما قَبْلَها.
          وحكى ابنُ جِنِّيٍّ في جمْعه: أَرْيَاحٌ.
          وفي «القامُوسِ»: جمعُ الرِّيْحِ: أَرْوَاحٌ، وأَرْيَاحٌ، ورِيَاحٌ، ورِيَحٌ كعِنَبٍ.
          قوله: (وَتَحْضُرَ الصَّلَاةَ) أي: صلاة الظُّهر؛ بدليل رِواية ابن أبي شَيْبةَ[34485]: «وَتَحْضُرُ الصَّلَاة بَعْد زَوالِ الشَّمْسِ».
          وزادَ في رِوايةِ الطَّبَريِّ: «ويَطِيْبَ القِتَالُ».
          وعِنْد ابنِ أبي شَيْبةَ[34485]: «وَيَنْزِلَ النَّصْرُ».
          وفيه فَضيلةُ القِتالِ بعد الزَّوالِ.
          وهذا الحديثُ ذكَرَه البخاريُّ في آخر باب: الجِزْية والمُوادَعَة [خ¦3160].


[1] كذا في الأصل وباقي النُّسخ، وفي «م»: الهرمزان.
[2] كذا في الأصل و«ف1» و«ف2» و«ز3» و«ز4» و«ز5»، وفي «ز2» و«م»: فأمرنا.
[3] قوله: «نبينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» زيادة من الأصل مشكولًا مجودًا، وفي «م» وباقي النُّسخ: فأمرنا نبينا رسول.