حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده

          145- قوله: (مَاْ فِي الوَحْدَةِ) [خ¦2998].
          (ما) مفعولُ (يَعْلَمُ)، ومصدوقها الشَّر.
          و(الوَحْدَةِ) بفَتْح الواوِ وكسرِها، وأنكَر بعضُهم الكسرَ كما حكاهُ السَّفَاقُسيُّ، ومعناها: الانفرادُ.
          قوله: (مَا أَعْلَمُ) أي: عِلْماً مثل العِلْم الذي أعلمه، ﻓ (مَا) واقعةٌ على العِلْم، وهيَ في محلِّ نصبٍ على المفعوليَّة المطْلقة لقوله: (يَعْلَمُ)، مَع تقدير مضافٍ وهو: مثل، وذلك المضافُ صفةٌ لموصوفٍ محْذوفٍ وهو: عِلْماً.
          قوله: (مَا سَارَ) جوابُ (لَوْ)، وهذا القياسُ استثنائيٌّ، فيستثنى نقيض التَّالي فينتج نقيض المقدم، فيقال: لكن سارَ راكبٌ بليْلٍ وَحْده، فينتج عدم عِلْم النَّاس عِلْماً مُماثلاً لعِلْم النَّبيِّ صلعم.
          قوله: (رَاكِبٌ) مثلُه الماشي من بابٍ أَوْلى؛ لأنَّ الماشيَ يُباشر الأرضَ بنفسه، والرَّاكبَ لا يُباشرها وقد يأنس بدابته.
          قوله: (بِلَيْلٍ) وكذلك بنَهارٍ، وخصَّ اللَّيل لكثرة الشُّرورِ فيه.
          قوله: (وَحْدَهُ) وكذا إذا كان معَه ثانٍ، ومحلُّ كون الشَّخْص منهياً عن السَّيْر وَحْده ما لم يكن أنسه بالله سُبحانه وتعالى؛ لأنَّ هذا لا يقالُ له: وَحْده؛ ويدلُّ له قولُه ╕(1): «أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ»، وقولُه صلعم إخْباراً عن رَبِّه ╡: «يقولُ اللهُ: أنا جَلِيْسُ مَنْ ذَكَرَنِي»(2).
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البُخاريُّ في باب: السَّيْر وَحْدَهُ.


[1] مسلم 425/1342.
[2] ابن أبي شيبة 1231.