حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: لولا أنت ما اهتدينا

          132- قوله: (النَّبِيَّ) [خ¦2837] وفي رِوايةٍ: «رَسُوْلَ الله صلعم».
          قوله: (يَوْمَ الأحْزَابِ) سُمِّي به لتَحزُّب القَبائلِ واجتماعِهم واتِّفاقهم على مُحاربة النَّبيِّ صلعم وهو يوم الخنْدَقِ الذي أشارَ بحفرِه سَلْمانُ ☺ حَوْل المديْنة، فحفرَه المهاجِرون والأنصارُ، وجعلوا ينقلونَ التُّراب على متونِهم ويقولون:
نَحْنُ الذين بايَعُوا محمَّداً                     على الإسلامِ ما بَقِيْنا أبَدَا
          والنَّبيُّ صلعم يجيبُهم ويقول:
          «اللَّهمَّ لا خَيْرَ إلَّا خَيْرَ الآخِرَةِ، فَبارِكْ في الأنْصَارِ والمُهَاجِرَةْ».
          قولُه: (يَنْقُلُ التُّرَابَ) أي: من الخنْدَقِ.
          وقوله: (وَقَدْ وَارَى) أي: سَتَر.
          قوله: (لَوْلَا...) إلى آخرِه.
          قالَ الزَّرْكَشيُّ(1): هكذا رُوي «لَوْلَا»، وصوابُه في الوَزْن: لَاهُمَّ، أو: تالله لَوْلا أنتَ ما اهْتَدَيْنا. انتهى.
          ولَاهُمَّ أصلُه: اللَّهُمَّ(2)، فخُفِّف بدَرْج الهمْزةِ وتخفيفِ اللَّام، وهو مِن بَحْرِ الرَّجَزِ.
          قالَ في «المَصابِيْح»(3): هذا عجِيبٌ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلعم هو المُتمثِّلُ بهذا الكلام، والوَزْنُ لا يجرى على لسانِه الشَّريف غالباً.
          قوله: (فَأَنْزِلِ السَّكِيْنَةَ) وفي رِوايةٍ: «فَأَنْزِلَنْ»، بنُون التَّوْكيدِ الخفيْفة و(سَكِيْنةً) بالتَّنْكير.
          وفي رِواية: «فَأَنْزِلْ»، بحَذْفِ النُّونِ الخفيفةِ(4) والجزْمِ.
          و(سَكِيْنَةً) بالتَّنكيْر، لكنَّه(5) لا يكون مَوْزُوناً إلَّا على رِوايةِ نُوْنِ التَّوْكيد مَع تَنْكير (سَكِيْنةً)، وفيه ما تقدَّم في «المصابِيْح».
          والمرادُ ﺑ (السَّكِيْنة): الوقار.
          قوله: (إنْ لَاقَيْنَا) أي: الكفَّار.
          وقوله: (إنَّ الأُلَى) هُو منَ الألْفاظِ المَوْصولة، لا من أسماءِ الإشارة.
          قوله: (بَغَوْا عَلَيْنَا) من البَغْي وهو الظُّلْمُ، وهذا _أيضاً_ غيرُ مَوزُونٍ، فيتزن بزيادة: هم، فيصير: إنَّ الأُلى هُم قد بَغَوا علَيْنا. انتهى.
          قوله: (أَبَيْنَا) أي: امتنعنا، مأخوذٌ منَ الإبَاءِ وهو الامْتناعُ.
          وفي الحديثِ دليلٌ على أنَّ التَّشْميرَ حِيْن الخدمة سُنَّةٌ؛ إذْ لولا أنَّ النَّبيَّ صلعم كان مشمراً لذلك لما ظهرت بطنه، فأراد بالتَّشمير ما يشمل كشف البَطْن.
          وفيه دليلٌ على أنَّ الرَّجزَ في الدُّعاءِ جائزٌ إذا كان غيرَ مقصودٍ؛ لأنَّه ╕ دَعا بِه ولم يقصدْه.
          وفي الحديثِ إشارةٌ معنويَّةٌ، وهو أنَّه إذا كان هذا القَدْر من التَّحصين في الجِهاد الأصْغر فمِن باب أَوْلى / التَّحصين في الجهاد الأكْبر وهو جهاد النَّفس، وطريقه أن تجعلَ بينك وبين الشَّهواتِ خَنْدقاً وسوراً.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: حفر الخنْدَقِ [خ¦2835].


[1] المصابيح 6/251_252.
[2] ينظر: «مُختار الصِّحاح» لزين الدِّيْن الرَّازي، مادَّة (ليه).
[3] المصابيح 6/251_252.
[4] قوله: «و(سكينة) بالتنكير... النون الخفيفة» زيادة من الأصل و«ز5»، وسقطت من «م».
[5] كذا في الأصل، وفي «م»: لكن.