حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من حلف على يمين وهو فيها فاجر

          119- قولُه: (عَبْدُ الله) [خ¦2676] أي: ابنُ مَسْعودٍ.
          قوله: (على يَمِيْنٍ) أي: محلوف يمينٍ، وسمَّاهُ يَمِيْناً مَجازاً للمُلابسة بينهما، والمرادُ: ما شأْنه أنْ يكونَ محلوفاً عليه وإلَّا فهو قبل اليَمِين ليس محلوفاً عليه، فيكون من مَجازِ الاستعارةِ.
          قولُه: (وَهُوَ فِيْهَا فاجِرٌ) الواوُ للحالِ، فالجمْلةُ حاليَّةٌ، و(فاجِرٌ) بمعنى: كاذبٌ.
          قوله: (لِيَقْتَطِعَ) أي: ليأْخُذ بغَير حقٍّ، بلْ لمجرَّد يَمِيْنه المحكوم بها في ظاهرِ الشَّرع.
          وقولُه: (بِهَا) أي: اليَميْن.
          قوله: (مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) أي: أوْ ذِمِّيٍّ، أو مُعاهدٍ، والتَّقييدُ بالمسلمِ للغالب أوِ الشَّرَفِ.
          وفي مُسلمٍ[218/137]: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلمٍ بِيَمِيْنِه، حَرَّمَ اللهُ عَلَيه الجنَّةَ وأَوْجَبَ لَه النَّارَ»، قالوا: وإنْ كان شيئاً يَسِيراً؟ قال: «وإنْ قَضِيْباً مِنْ أَرَاكٍ».
          فَفيه أنَّه لا فَرْق بين المالِ وغيرِه.
          قوله: (وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) اسمُ فاعلٍ مِن غضب، يُقالُ: / رَجُلٌ غَضْبانٌ وامْرأةٌ غَضْبى، والغَضَبُ مِنَ المَخْلُوقِين شيءٌ يُدَاخل قُلُوبهم، وأمَّا غَضَبُ الخالِقِ تعالى فهُو سخطُه على مَنْ عَصَاهُ ومُعاقبته له. قالـ[ـه] في «النِّهاية»(1).
          والحاصلُ: إنَّ الصِّفات التي لا يليق وَصْف البارِي تعالى بها على الحقيقة فتؤوَّل(2) بما يليق به سُبحانه، فتحمل على آثارِها ولَوازمِها، كحمل الغَضَبِ على العذاب، والرَّحْمةِ على الإحْسان، فيكون ذلك منْ صِفاتِ الأفْعالِ.
          أو يحمل على أنَّ المرادَ بالغَضَب _مثلاً_ إرادةُ الانتقام، وبالرَّحْمة إرادةُ الإفضالِ، فيكون من صِفات الذَّاتِ.
          قال في البُخاريِّ بعد ذلك قال: «فقالَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسِ: فِيَّ والله ذلك(3)، كان بَيْني وبيْنَ رجُلٍ مِنَ اليَهُودِ أَرْضٌ فجَحَدَنِي، فقَدَّمْتُه إلى النَّبيِّ صلعم فقالَ لي رسولُ الله صلعم:
          «ألَكَ بَيِّنَةٌ؟»، قال: قلتُ: لا، فقالَ لليهوديِّ: «احْلِفْ»، قال: قلتُ: يا رسول الله، إذاً يَحْلِفَ ويَذْهَبَ بِمالِي!
          قال: فأنْزلَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا...} [آل عمران:77] إلى آخِر الآيةِ».
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: سُؤال الحاكم المدَّعي: هلْ لك بيِّنة قبل اليَميْن.


[1] النهاية لابن الأثير ░3/370▒.
[2] كذا في الأصل، وفي «م»: تؤول.
[3] في البخاري: (فيَّ والله كان ذلك).