حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا

          102- قوله: (مَثَلُ) [خ¦2493] أي: صِفةُ.
          وقولُه: (القَائِمُ على حُدُوْدِ الله) أي: الواقِفُ عليها بأنْ لم يتجاوزْها، وذلك بعدم الوُقوع في المعاصي.
          قوله: (وَالواقِعِ فِيْهَا) أي: الحدود، وهو الفاعلُ للمَعاصي.
          قوله: (كَمَثَلِ قَوْمٍ) أي: تنازعوا وقالَ كلٌّ: أنا أكُون في أعْلى السَّفيْنة.
          قوله: (اسْتَهَمُوا) أي: ضَرَبوا السِّهامَ والقرعةَ على أن يكون بعضُهم في أعْلاها وبعضُهم في أسفَلِها.
          قوله: (سَفِيْنةٍ) أي: مُشتركةٍ بينهم بالإجارة أو الملك(1).
          قوله: (فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ) أي: بالقرعةِ.
          قوله: (فَكَانَ الَّذِي) بالإفْراد في رِواية الحَمُّوْييِّ والمُسْتَمْلِيِّ.
          ولغيرهما: «الَّذِيْنَ».
          قال في «المصابيح»[5/402]: يظهرُ لي أنَّ قولَه: (الَّذِي) صِفةٌ لموصوفٍ مُفردِ اللَّفظ كالجمع معنًى، فاعتبر لفظه فوصف بـ(الذي)، واعتبر معناهُ فأعيد عليه ضمير الجماعة في قولِه: (إذا اسْتَقَوا)، وهو أَوْلى مِن أن يجعلَ (الَّذِي) مخفَّفاً من (الَّذِيْنَ) بحذفِ النُّونِ.
          قوله: (إذا اسْتَقَوا) أي: طَلَبوا أخذ الماء.
          قوله: (لَوْ أنَّا خَرَقْنَا) جوابُ (لَوْ) محذوفٌ، والتَّقْديرُ: لكان صَواباً.
          قوله: (وَلَم نُؤْذِ) بضمِّ النُّوْنِ، وسُكون الهمْزة، وبالذَّالِ المُعجَمة، أي: لم نضر.
          وفي الشَّهادات [خ¦2686]: «فأخذَ فأْساً، فجَعَلَ يَنْقُرُ أسْفَلَ السَّفيْنةِ، فأَتَوْهُ فقالُوا: ما لَكَ!؟ قال: تأذَّيْتُمْ بي ولابُدَّ لي مِنَ الماءِ».
          قوله: (فَإنْ يَتْرُكُوْهُمْ) أي: يترك الجماعةُ الذين مَنْ أعلى الجماعةَ الذين منْ أسفل.
          وقوله: (وَمَا أَرَادُوا) أي: مع مُرادهم، وهو خرقهم للسَّفينة.
          فمَثلُ القائمِ على حُدودِ الله كمثَلِ مَن في أعلى السَّفينةِ، ومثلُ الواقعِ في حُدوْدِ الله كمثَلِ الذي في أسفل السَّفينةِ الخارِق لها.
          فالوُقوعُ في حُدودِ الله كخرقِ السَّفينة، فترك القائم بالحدودِ نهي الواقع فيها كترك مَن في أعلى السَّفيْنة نهي من أسفلها عنِ الخرق فيهلك الجميع، ونهي القائم بالحدود الواقع فيها كنهي مَن في أعلى السَّفينة مَن في أسفلها عنِ الخرق فيَنجو الجميْع.
          قوله: (هَلَكُوا جَمِيْعاً) أي: الذين في الأعلى والذين في الأسفل؛ لأنَّه يلزم من خرقِ السَّفينة غرق جميع مَن في السَّفينة، وهكذا إقامةُ الحدودِ يحصل بها النَّجاة لمن أقامَها وأقيمت عليه، وإلَّا هلك العاصي بالمعصية والسَّاكتُ بالرِّضا بها.
          قوله: (وَإنْ أَخَذُوا) أي: الجماعة الذين في العُلُوِّ.
          وقوله: (على أَيْدِيْهِمْ) أي: أيدي الذين في السفل بأنْ منعوهم من الخرق.
          قوله: (نَجَوا) أي: الذين في العُلُوِّ.
          وقوله: (وَنَجَوا) أي: الذين في السفل.
          وقوله: (جَمِيْعاً) حالٌ، أي: حالة كَون الجماعتَين مُجتمعتَين / في النَّجاة.
          وفي الحديثِ وُجوبُ الصَّبْر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشدّ ضَرراً، وأنَّه ليس لصاحب السفلِ أنْ يحدثَ على صاحب العُلُوِّ ما يضر، وإنَّه إنْ أحْدثَ عليه ضَرَراً لَزِمَه إصْلاحَه، وأنَّ لصاحِب العُلُوِّ منعه من الضَّرَرِ.
          وفيه جوازُ قسمة العقارِ المتفاوت بالقرعة.
          قال ابنُ بطَّالٍ(2): والعُلماءُ متَّفقونَ على القولِ بالقرعة إلَّا الكُوفيِّين؛ فإنَّهم قالوا: لا معنى لها؛ لأنَّها تشبه الأزلام التي نهى اللهُ عنها.
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البخاريُّ في باب: هل يُقرع في القسمة والاستهام فيْه.


[1] قوله: «أو الملك» زيادة من الأصل، وسقطت من «م».
[2] شرح البخاري 7/12.