حياة البخاري

رجوعه إلى بخارى ونفي أميرها له ووفاته

          رجوعه إلى بخارى، ونفي أميرها له، ووفاته:
          قال أحمد بن منصور الشِّيرازيُّ: لما رجع أبو عبد الله البخاريُّ إلى بخارى نصبت له القِبَابُ على فرسخ من البلد، واستقبله عامَّة أهل البلد، حتى لم يبق مذكور، ونثر عليه الدراهم والدنانير، فبقي مدَّة ثمَّ وقع بينه وبين الأمير فأمره بالخروج من بخارى(1) فخرج إلى بيكند. وقال الحاكم: عن أبي بكر بن أبي عمرو قال: كان سبب مفارقة أبي عبد الله البخاريِّ البلدَ _يعني: بخارى_ أنَّ خالد بن أحمد الذُّهليَّ والي بخارى، خليفة ابن طاهر سأله أن يحضر منزله فيقرأ |(التاريخ) و(الجامع) على أولاده فامتنع من ذلك، وقال: لا يسعني أنْ أخصَّ قومًا بالسَّماع دون آخرين، فاستعان خالد بحُريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل بخارى حتى تكلَّموا في مذهبه، فنفاه عن البلد، وقد انتقم / الحقُّ سبحانه من الأمير وكلِّ من قصده بسوء، فصار عاقبة الأمير إلى الذُّلِّ والحَبْس، بعد أنْ نودي عليه وهو على أتانٍ، وأُشخص على إكَافٍ وكذلك البقية.
          روى غُنْجَارُ أنَّ خالدًا الذُّهليَّ والي بخارى بعث إلى محمَّد بن إسماعيل أن اّْحملْ إليَّ كتاب (الجامع) و(التاريخ) لأسمع منك، فقال لرسوله: قل له: إنِّي لا أُذِلُّ العلم، ولا أَحْمِلْهُ إلى أبواب السَّلاطين، فإنْ كانت له حاجةً إلى شيءٍ منه، فليحضرني في مسجدي، أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطانٌ فامنعني من المجلس، ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة، إنِّي لا أكتم العلم. فكان سبب الوحشة بينهما.


[1] السعي بإخراج الدعاة إلى الحق كأنه مما توارثه المفسدون عن آبائهم:{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53] انظر إلى آية: {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82] .