الفرائد المنتظمة والفوائد المحكمة

البخاري أول من صنف في الصحيح

          وكان أوَّلَ من صنَّف في الصَّحيح الإمامُ محمَّد بن إسماعيل البُخارِيِّ، أسكننا الله(1) معه في بُحبوحة جنَّاته(2) بفضله السَّاري.
          والسَّبب في تصنيفه ذلك ما رُوِي عنه قال: كنَّا عند إسحاق بن راهَوَيهِ فقال: لو جمعتم كتابًا مختَصَرًا لصحيح سنَّة النَّبِيِّ صلعم ؟ قال: فوقع في قلبي ذلك(3)، فأخذت في جمع ((الجامع الصَّحيح)).
          وعنه أيضًا قال: رأيت النَّبيَّ صلعم وكأنِّي(4) واقفٌ بين يديه وبيدي مِروَحةٌ أذُبُّ عنه. فسألت بعض المعبِّرين؟ فقال: أنت تذُبُّ عنه الكذبَ. فهو الذي حملني على إخراج ((الجامع الصَّحيح)).
          قال: وألَّفته في ستَّ عشرةَ سنةً.
          وقال: صنَّفت كتابي ((الجامع الصَّحيح(5))) في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثًا حتى استخرت الله تعالى وصلَّيت ركعتين، وتيقَّنت صحَّته.
          قال الحافظ ابن حَجَرٍ: والجمع / بين هذا وبين ما رُوِي أنَّه كان يُصنِّفه في البلاد: أنَّه ابتدأ تصنيفه وترتيب أبوابه في المسجد الحرام، ثمَّ كان يخرِّج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها، ويدلُّ(6) عليه قوله: (أنَّه أقام فيه ستَّ عشرةَ سنةً) فإنَّه لم يجاور بمكةَ هذه المدَّة كلَّها.
          وقد رُوِي: أنَّه حوَّل(7) تراجمَ جامعه(8) بين قبر النَّبيِّ صلعم ومنبره، وكان يصلِّي لكلِّ ترجمة ركعتين.
          ولا ينافي هذا ما تقدَّم؛ لأنَّه يُحمَل على أنَّه في الأوَّل كتبه في المُسوَّدة، وهنا حوَّله من المُسوَّدة إلى المُبَيَّضَة، وبسبب ذلك حيَّرت تراجمُه الأفكارَ، وأدهشت العقول والأبصار.
          وقال الفِرْبَرِيُّ: قال محمَّد بن إسماعيل: ما وضعت في ((الصَّحيح)) حديثًا إلَّا اغتسلت قبل ذلك، وصلَّيت ركعتين، وأرجو أن يبارك الله تعالى في هذه المصنَّفات.
          ورأى الفِرْبَرِيُّ النَّبِيَّ صلعم في المنام، فقال له: أين تريد؟ فقلت(9): أريد محمَّد بن إسماعيل، قال: أقرِئْهُ منِّي السَّلام.
          ورأى محمَّدُ بن حاتَم الورَّاقُ [البُخاريَّ و](10) النَّبيَّ صلعم في المنام، والبخاريُّ خلفه يمشي، فكلَّما رفع النَّبيُّ صلعم قدمه وضع البُخاريُّ قدمه في ذلك الموضِع.
          وقال أبو زيد المِرْوَزِيُّ: كنت نائمًا بين الرُّكن والمقام، فرأيت النَّبيَّ صلعم، فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرِّس كتاب الشَّافعيِّ ولا تدرِّس كتابي؟ فقلتُ: يا رسول الله وما(11) كتابك؟ قال: جامع محمَّد بن إسماعيل.
          وقال الشَّيخ أبو محمَّد عبد الله / بن أبي جَمْرة: قال لي مَن لقيته من العارفين عمَّن لقيه من السَّادة المُقَرِّ لهم بالفضل: إنَّ صحيح البُخاريِّ ما قُرئ في شدَّةٍ إلَّا فرِجت، ولا رُكِب به في مركب فغرق(12).
          قال: وكان مُجابَ الدَّعوة، وقد دعا لقارئه ☼.
          وقال الحافظ عماد الدِّين ابن كثير: وكتاب البُخاريِّ الصَّحيح يُستَسْقَى بقراءته الغَمامُ، وأجمع على قَبُوله وصحَّة ما فيه أهلُ الإسلام.


[1] زيد في (ز): (تعالى).
[2] في (ز): (جنانه).
[3] في (ز): (ذلك في قلبي).
[4] في (ز): (وكأنني).
[5] (الصحيح): ليس في (ز).
[6] في (ز): (ويدلك).
[7] هكذا في الأصل وغيره من المصادر، ولعله: (حوَّر)، أي بيَّض.
[8] في (ز): (لجامعه).
[9] في (ز): (قلت).
[10] ما بين معقوفتين ليس في (ز).
[11] في (ز): (ما).
[12] في (ز): (فغرقت).