إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله

          552- وبالسَّند قال: (حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب، ولأبوَي الوقت وذَرٍّ: ”عن عبد الله بن عمر“ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ) بأن أخرجها متعمِّدًا عن وقتها بغروب الشَّمس، أو عن وقتها المختار، أو باصفرار الشَّمس(1) كما ورد مُفسَّرًا من رواية الأوزاعيِّ في هذا الحديث قال فيه: و«فواتها» أن تدخل الشَّمس صفرةٌ(2)، قال في «شرح التَّقريب»: كذا ذكر(3) عياضٌ، وتبعه النَّوويُّ، وظاهر إيراد أبي داود في «سننه» أنَّه من كلام الأوزاعيِّ، لا أنَّه من(4) الحديث لأنَّه رُوِيَ بإسنادٍ منفردٍ عن الحديث(5) عن الأوزاعيِّ أنَّه قال: وذلك أن ترى ما على الأرض من الشَّمس أصفر(6)، وفي «العلل» لابن أبي حاتمٍ: سألت أبي عن حديثٍ رواه الأوزاعيُّ عن نافعٍ عن ابن عمر مرفوعًا: «من فاتته صلاة العصر _وفواتها أن تدخل الشَّمس صفرةٌ_ فكأنَّما وُتِر أهله وماله» قال أبي: التَّفسير قول نافعٍ. انتهى. وقِيلَ: المُراد فواتها عن الجماعة، والرَّاجح الأوَّل، ويؤيِّده حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» مرفوعًا: «من ترك العصر حتَّى تغيب الشَّمس» أي: من غير عذرٍ (كَأَنَّمَا) وللكُشْمِيْهَنِيِّ وابن عساكر: ”فكأنَّما“ (وُتِرَ) هو(7) _أي: الَّذي فاتته العصر_ نُقِص أو سُلِب (أَهْلَـُهُ وَمَالَـُهُ) وتُرك فردًا منهما(8)، فبقي بلا أهلٍ ولا مالٍ، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله و(9)ماله‼، و«وُتِر» بضمِّ الواو مبنيًّا للمفعول، و«أهلَه»: مفعولٌ ثانٍ له، والأوَّل الضَّمير المستتر فيه، وقِيلَ: منصوبٌ على نزع الخافض أي: وُتِرَ في أهله وماله، فلمَّا حُذِف الخافض انتصب، ويُروَى: ”أهلُه“ بالرَّفع على أنَّه نائب الفاعل، ولا يُضمَر في «وُتِر» بل يقوم «أهله»(10) مقام ما لم يُسمَّ فاعله(11) و«ماله» عُطِف عليه، أي: انتُزِع منه أهله وماله، وقال ابن الاثير: من ردَّ النَّقص إلى الرَّجل نصبهما، ومن ردّه إلى الأهل والمال رفعهما، والنَّصب هو الصَّحيح المشهور الَّذي عليه الجمهور كما(12) قاله النَّوويُّ، وقال عياضٌ: هو الَّذي ضبطناه عن جماعة شيوخنا ووقع هنا(13) في رواية المُستملي زيادةٌ وهي: ”قال أبو عبد الله“ يعني: المؤلِّف، ممَّا يدلُّ لنصب الكلمتين بـ «وُتِر» وهو قوله تعالى: { يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد:35] بنصب «أعمالَكم» مفعولٌ ثانٍ، والأوَّل: «كاف» الخطاب، ثمَّ أشار بقوله: ”وترت الرَّجل إذا قتلت له قتيلًا“ من قريبٍ أو حميمٍ فأفردته عنه، ”أو أخذت له مالًا“ وللأَصيليِّ والهرويِّ وأبي الوقت: ”أو أخذت ماله“ إلى أنَّ «وُتِر» يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، وهو يؤيِّد رواية الرَّفع، قيِلَ: وخُصَّت «صلاة العصر» بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها، وعُورِض بأنَّ صلاة الفجر كذلك يجتمع فيها المتعاقبون، وأُجيب باحتمال أنَّ(14) التَّهديد إنَّما غُلِّظ في «العصر» دون «الفجر» لأنَّه لا عذر له في تفويتها لأنَّه وقت يقظةٍ، بخلاف الفجر فربَّما كان النَّوم عندها عذرًا، وأوَّله ابن عبد البرِّ على أَنَّه خُرِّج جوابًا لسائلٍ عنها فأُجيب، أي: فلا يمنع إلحاق غيرها، أو نبَّه بـ «العصر» على غيرها، وخصَّها بالذِّكر لأنَّها تأتي والنَّاس في وقت تعبهم من أعمالهم، وحرصهم على تمام أشغالهم(15)، وتُعقِّب بأنَّه إنَّما يُلحَق غير المنصوص بالمنصوص إذا عُرِفت العلَّة واشتركا فيها، والعلَّة هنا لم تتحقَّق، فلا يُلحَق غير «العصر» بها، وأُجيب بأنَّ ما ذكره هذا المتعقِّب لا يدفع الاحتمال، وقد ورد ما يدلُّ للعموم، فعند ابن أبي شيبة من طريق أبي قِلابة عن أبي الدَّرداء مرفوعًا: «من ترك صلاةً مكتوبةً / حتَّى تفوته...» الحديثَ، وتُعقِّب بأنَّ في سنده انقطاعًا لأنَّ أبا قلابة لم يسمع من أبي الدَّرداء، وقد رواه أحمد من حديث أبي الدَّرداء بلفظ: «من ترك صلاة العصر» فرجع حديث أبي الدَّرداء إلى تعيين «العصر»، قال ابن المُنَيِّر: والحقُّ أنَّ الله تعالى يخصُّ ما يشاء من الصَّلوات بما يشاء من الفضيلة. انتهى.
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ، والله تعالى أعلم بالصَّواب (16).


[1] زيد في (م): «أو فوتها عن الجماعة».
[2] في (ص): «مُصفرَّة».
[3] في (ص): «ذكره».
[4] في (د): «في».
[5] «عن الحديث»: سقط من (د).
[6] في (ج): «صفرًا».
[7] «هو»: سقط من (د).
[8] في (م): «منها».
[9] في (م): «أو».
[10] في (س): «أهل».
[11] في (ب) و(س): «مقام الفاعل».
[12] «كما»: سقط من (د).
[13] «هنا»: سقط من (د).
[14] (أنَّ): سقط من (ص) و(م).
[15] في (د): «اشتغالهم».
[16] «والله تعالى أعلم بالصَّواب»: ليس في (ص) و(م).