إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله

          6398- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ (مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بُنْدارٌ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكَ بْنُ صَبَّاحٍ) بفتح المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف حاء مهملة، المصريُّ. قال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: صالحٌ، وهي من(1) ألفاظ التَّوثيق، لكنَّها في الرُّتبة الأخيرة عنده(2)، فيُكْتَبُ حديثُه للاعتبار، وحينئذٍ فليس عبد الملك هذا من شرط الصَّحيح. وأُجيب بأنَّ اتِّفاق الشَّيخين على التَّخريج له يدلُّ على أنَّه أرفع رتبةً من ذلك لا سيَّما وقد تابعَه معاذ بن معاذٍ، وهو من الأثبات، وليس لعبدِ الملك في «الصَّحيح» إلَّا هذا الموضع، قاله في «الفتح».
          قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ)‼ السَّبيعيِّ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى) أبي بُرْدة (عَنْ أَبِيهِ) أبي موسى عبدِ الله بنِ قيس (عَنِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي) ذنبِي (وَجَهْلِي) ضدُّ العلم (وَإِسْرَافِي) مجاوزَتي الحدَّ (فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ) جمع: خطيئةٍ (وَعَمْدِي) ضدُّ السَّهو (وَجَهْلِي) ضدُّ العلم، كما مرَّ (وَهَزْلِي) ضدُّ الجدِّ، وعَطْفُ العَمْد على الخطأ من عطف الخاصِّ على العامِّ باعتبار أنَّ الخطيئة أعمُّ من التَّعمُّد، أو من عَطْفِ أحد المتقابلين على الآخرِ بأن تُحْمَلَ الخطيئةُ على ما وقعَ على سبيلِ الخطأ، وفي مسلمٍ: «اغفِرْ لِي هزلِي وجِدِّي». قال في «الفتح»: وهو أنسبُ وهو بالكسر، ضدُّ الهزل (وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي) موجودٌ، أو ممكنٌ، كالتَّذييل للسَّابق، أي: أنا متَّصفٌ بهذهِ الأشياء فاغفرْها لي، قاله صلعم مُتَواضعًا، وهضمًا لنفسهِ، أو عدَّ فَواتَ الكمال وتَرْكَ الأولى ذُنُوبًا، أو أراد ما كان عن سهوٍ، أو ما كان قبل النُّبوَّة (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ) وهذان شاملانِ لجميع(3) ما سبقَ كقوله: (وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ) لمن تشاءُ من خلقكَ بتوفيقكَ إلى رحمتكَ (وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ) لمن تشاءُ عن(4) ذلك (وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جملةٌ مؤكِّدةٌ لمعنى ما قبلَها، و«على كلِّ شيءٍ» متعلِّق بـ «قديرٍ»، وهو فعيلٌ بمعنى فاعل مشتقٌّ من القدرةِ / ، وهي القوَّة والاستطاعةُ، وهل يُطلق الشَّيءُ على المعدومِ والمستحيلِ؟ خلافٌ.
          والحديثُ أخرجهُ مسلمٌ في «الدَّعوات».
          (وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ) بضم العين مصغَّرًا، و«مُعاذ» بضم الميم آخره معجمة، العنبريُّ التَّيميُّ البصريُّ شيخ المؤلِّف (وَحَدَّثَنَا أَبِي) معاذ، وسقطت الواو لأبي ذرٍّ، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبيعيِّ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ) أبي موسى (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) زاد أبو ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ هنا: ”بنحوه“ أي: بنحو الحديثِ السَّابق.


[1] في (ج): سقط: «وهي من».
[2] عبارة الفتح: «عند ابن أبي حاتم». انتهى لأن المراتب لابنه عبد الرحمن.
[3] في (د): «جميع».
[4] في (ب): «عند».