إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب

          6326- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (اللَّيْثُ) ابن سعدٍ الإمام (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَزِيدُ) بن أبي حبيبٍ (عَنْ أَبِي الخَيْرِ) مرثد بن عبد الله اليزنيِّ المصريِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) بفتح العين، ابن العاصي ☻ (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ☺ : أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم : عَلِّمْنِي) قال ابن فَرحون: أي: حفِّظني (دُعَاءً) مفعولٌ ثانٍ لـ «علِّم» (أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي) جملةٌ في محلِّ نصبٍ صفة لـ «دُعاء» والعائد‼ قوله: به، والضَّمير يعود على «دعاء»، و«في صلاتي» متعلِّق(1) بـ «أدعو» لا بـ «علِّمني» لفسادِ المعنى (قَالَ) صلعم : (قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا) بملابسةِ ما يوجبُ عُقوبتها أو يُنقص حظَّها، وأصل الظُّلم وضعُ الشَّيء في غير موضعه، والنَّفس(2) المراد بها هنا: الذَّات المشتملة على الرُّوح، وإن كان بين العلماء خلافٌ في / أنَّ النَّفس هي الرُّوح أو غيرها حتَّى قيل: إنَّ فيها ألف قولٍ، و«ظلمًا» مصدر، و«كثيرًا» بالمثلَّثة نعتٌ له لا بالمنعوت (وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) فليس(3) لي حيلةٌ في دفعها، فأنا المفتقرُ إليك المضطرُّ الموعود بالإجابةِ (فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ) الفاء للسَّببية، و«اغفرْ» لفظه لفظُ الأمر، ومعناه الدُّعاء، و«إلَّا» إيجابٌ للنَّفي، وفائدة قوله: «من عندك» وإن كان الكلُّ من عند(4) الله: أنَّ فضلَ الله ومغفرته لا في مقابلةِ عملٍ، ولا بإيجابٍ على الله، وتفيدُ العنديَّة معنى القربِ في المنزلة (وَارْحَمْنِي) عطفٌ على سابقهِ (إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ) فعولٌ، بمعنى: فاعل (الرَّحِيمُ) بمعنى: راحم، وفي الكلام لفٌّ ونشرٌ مرتَّبٌ(5)؛ لأنَّ طلب المغفرة بقوله(6): «اغفر لي» وطلب الرَّحمة بقوله: «ارحمني(7)» فالتَّقدير: اغفر لي إنَّك أنت الغفور، وارحمني إنَّك أنت الرَّحيم، وفي الكلام حذفٌ لدَلالة ما تقدَّم عليه، والتَّقدير(8): ولا يغفرُ الذُّنوب إلَّا أنت ولا يرحم العباد إلَّا أنت، فحُذف: ولا يرحمُ العباد إلَّا أنت؛ لدَلالة وارحمني(9)، ويحتملُ أن يكون التَّقدير: ولا يغفر الذُّنوب إلَّا أنت فاغفرْ لي، ولا يرحمُ العباد إلَّا أنت فارْحمني.
          وهذا الدُّعاء من أحسنِ الأدعية لاسيَّما في ترتيبهِ، فإنَّ فيه تقديم نداء الرَّبِّ واستغاثتهِ بقوله: «اللَّهمَّ» ثمَّ الاعتراف بالذَّنب في قوله: «ظلمتُ نفسي» ثمَّ الاعتراف بالتَّوحيد إلى غير ذلك ممَّا لا يخفى مع ما اشتملَ عليه من التَّأكيد بقوله: «إنَّك أنت الغفور الرَّحيم» بكلمة «إن» وضميرُ الفصل وتعريفُ الخبر باللَّام وبصيغة المبالغة.
          تنبيه: الأمرُ في قوله صلعم : «قل(10)» يقتضِي جواز الدُّعاء به في الصَّلاة من غير تعيين محلِّه، لكنَّه يخصَّص بالموضع اللَّائق بالدُّعاء، وعيَّنه بعضهم في السُّجود لحديث: «فأمَّا السُّجود فاجتهدوا فيه بالدُّعاء» وعيَّنه آخرون بعد التَّشهُّد لحديث «ثمَّ ليتخيَّر بعد ذلك في المسألةِ ما شاء»(11) وهذا الأخير رجَّحه ابن دقيق العيد، ويؤيِّده أنَّ الأئمة كالبخاريِّ والنَّسائيِّ والبيهقيِّ وغيرهم، احتجُّوا بهذا الحديث للدُّعاء في آخر الصَّلاة. وقال النَّوويُّ: إنَّه استدلالٌ صحيحٌ. وقال الفاكهانيُّ: الجمع(12) بينهما في المحلَّين الأولى.
          وحديثُ الباب سبقَ في «أواخر صفة الصَّلاة» قبيل «كتاب الجمعة» [خ¦834].
          (وَقَالَ عَمْرٌو) بفتح العين، ولأبي ذرٍّ: ”عمرو بن الحارث“ فيما وصله البخاريُّ في «التَّوحيد» [خ¦7387] (عَنْ يَزِيدَ) بن حبيبٍ (عَنْ أَبِي الخَيْرِ) مرثدٍ (إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو) أي‼: ابن العاص (قَالَ أَبُو بَكْرٍ ☺ لِلنَّبِيِّ صلعم ) وثبت قوله: «إنَّه» لأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ.


[1] في (د): «يتعلق».
[2] في (ص) زيادة: «الروح».
[3] في (د): «ليس».
[4] «عند»: ليست في (د).
[5] «مرتب»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[6] في (د): «لقوله».
[7] في (د): «اغفر لي وارحمني».
[8] في (د): «فالتقدير».
[9] في (د): «فارحمني».
[10] في (ع): «قد»، وفي (ص): «هل».
[11] «ما شاء»: ليست في (ب).
[12] في (د): «في الجمع».