إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: خمروا الآنية وأجيفوا الأبواب

          6295- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) هو ابنُ زيدٍ (عَنْ كَثِيرٍ) زاد أبو ذرٍّ: ”هو ابن شِنْظِيْر“ _بكسر / المعجمتين بينهما نون ساكنة وبعد الظاء مثناة تحتية ساكنة فَراءٌ_ الأزديِّ البصريِّ (عَنْ عَطَاءٍ) هو ابنُ أبي رباحٍ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : خَمِّرُوا الآنِيَةَ) أي: غطُّوها (وَأَجِيفُوا) بفتح الهمزة وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة فاء مضمومة، أي: أغلِقوا (الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ) الَّتي لا يؤمن معها الإحراق (فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ) بضم الفاء وفتح الواو وبالسين المهملة وبالقاف، الفأرة المأمور بقتلها في الحلِّ والحرم، والفسق الخروجُ عن الاستقامة، وسُمِّيت بذلك(1) على الاستعارةِ لخُبثها(2)، وقيل: لأنَّها عمدتْ إلى حبال السَّفينة فقطعتْها، وليس في الحيوان أفسدُ منها، لا تأتي على حقيرٍ(3) ولا جليلٍ إلَّا أهلكتْه وأتلفتْه (رُبَّمَا جَرَّتِ الفَتِيلَةَ) الَّتي في نحو السِّراج (فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ) وفي حديث يزيد عن(4) ابن أبي نُعيمٍ _عند الطَّحاويِّ_: أنَّه سألَ(5) أبا سعيدٍ الخُدريَّ: لم سُمِّيت الفأرة بالفُويسقة؟ قال: استيقظ النَّبيُّ صلعم ذات ليلةٍ وقد أخذتْ فأرةٌ فتيلةً لتحرقَ على رسولِ الله صلعم البيت، فقام إليها وقتلَها، وأحلَّ قتلها للحلالِ والمُحْرِمِ.
          وعن ابن عبَّاسٍ، قال: جاءت فأرةٌ فأخذت تجرُّ الفتيلةَ فذهبتِ الجارية تزجُرها، فقال النَّبيُّ صلعم : «دعيها» فجاءتْ بها فألقتْها بين يدَي رسولِ الله صلعم على الخمرة الَّتي كان قاعدًا عليها فأحرقتْ منها مَوضع درهمٍ، فقال النَّبيُّ صلعم ‼: «إِذَا نِمتُم فَأَطفِئُوا سُرَجَكُم فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَدُلُّ مِثلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتَحرِقَكُم» ففيهِ بيان سببِ الأمر بالإطفاءِ، وبيان السَّبب الحاملِ للفأرةِ على جرِّ الفتيلةِ وهو الشَّيطان فيستعينُ _وهو عدوُّ الإنسان_ بعدوٍّ آخر وهي(6) النَّار أعاذنا اللهُ منها بوجهه الكريم دُنيا وأُخرى. قال النَّوويُّ: وهذا الأمرُ عامٌّ يدخلُ فيه نار السِّراج وغيرها، وأمَّا القناديلُ المعلَّقة في المساجد وغيرها فإنْ خيف حريقٌ بسببها دخلتْ في الأمر، وإن أمنَ(7) ذلك، كما هو الغالب فالظَّاهر أنَّه لا بأسَ بها لانتفاءِ العلَّة الَّتي علَّل بها صلعم ، وإذا انتفتِ العلَّة زالَ المنع.
          فائدةٌ: ذكرَ أصحابُ الكلامِ في الطَّبائع أنَّ الله تعالى جمعَ في النَّار الحركة والحرارة واليبوسة واللَّطافة والنُّور، وهي تفعل بكلِّ صورةٍ من هذه الصُّور(8) خلاف ما تفعلُ بالأخرى، فبالحركةِ تغلِي الأجسام، وبالحرارةِ تسخَّنُ، وباليبوسةِ تجفَّف، وباللَّطافة تَنْفُذُ، وبالنُّور تُضيء ما حَولها، ومَنْفعة النَّار تختصُّ بالإنسان دون سائرِ الحيوان، فلا يحتاجُ إليها شيءٌ سواه، وليس به(9) غنًى عنها في حالٍ من الأحوال، ولذا عظَّمها المجوس.
          والحديثُ سبق في «كتاب(10) بدء الخلق» [خ¦3316]، وأخرجهُ أبو داود في «الأشربة»، والتِّرمذيُّ في «الاستئذان».


[1] «بذلك»: ليست في (د) و(ص) و(ع).
[2] في (د) و(ص) و(ع): «بخبثهن».
[3] في (د) و(ص) و(ع): «خطير».
[4] قوله: «عن» ليس في الأصول، والتصحيح من «شرح معاني الآثار» للطحاوي (2/166)، فالحديث من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي نُعيم.
[5] في (ع): «سأله».
[6] في (د): «وهو».
[7] في (ص) زيادة: «من».
[8] في (د): «الصورة».
[9] في (ب) و(س): «له».
[10] في (ل): «في باب».