إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا

          6243- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) عبد الله بن الزُّبير المكيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيينة (عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ) عبد الله (عَنْ أَبِيهِ) طاوس بن كَيسان (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ) وسقط لفظ «قال» لأبي ذرٍّ (لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ بفتح اللام المشددة والميم الأولى، أي: بالصَّغائر كالنَّظرة والقُبلة واللَّمسة والغمزة، وأصل اللَّمم ما قلَّ وصغُر، وقيل: أن يلمَّ بشيءٍ من غير أن يركبه(1) يقال: ألمَّ بكذا، أي(2): قاربهُ ولم يخالطهُ، وقال سعيدُ بن المسيَّب: ما لمَّ(3) على القلب، أي: خطرَ، واقتصرَ البخاريُّ من هذا الحديث من طريق سفيان على هذا القدرِ موقوفًا على أبي هُريرة، ثمَّ عطف عليه رواية معمرٍ، عن ابنِ طاوس فساقهُ مرفوعًا بتمامه، فقال: (4) (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد، وسقطتِ الواو لغير أبي ذرٍّ (مَحْمُودٌ) هو ابنُ غيلان قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشدٍ (عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ) عبد الله (عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ، أنَّه(5) (قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”من قولِ أبي هُريرة“ (عَنِ النَّبِيِّ / صلعم : إِنَّ اللهَ كَتَبَ) قدَّر (عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ) بالحاء المهملة والظاء المعجمة، نصيبهُ ممَّا قُدِّر عليه (مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ) بفتح الميم والحاء المهملة واللام المخففة، لا حيلةَ له في التَّخلُّص من إدراك ما كُتب عليه ولا بدَّ له منه (فَزِنَا العَيْنِ) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”العينين“ (النَّظَرُ) بشهوةٍ (وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ) بالميم، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”النُّطق“ أي: فيما يستلذُّ به من محادثةِ ما لا يحلُّ له، وفي حديث أبي الضُّحى عن ابن مسعودٍ _عند ابن جريرٍ_ قال: «زنا العينين النَّظر، وزنا الشَّفتين التَّقبيل، وزنا اليدين البطشُ، وزنا الرِّجلين المشي» (وَالنَّفْسُ تَمَنَّى) بحذف إحدى التاءين، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”تتمنَّى“ بإثباتها (وَتَشْتَهِي) قال ابن بطَّالٍ: سُمِّي النَّظر والنُّطق زنًا؛ لأنَّه يدعو إلى الزِّنا الحقيقيِّ، ولذا(6) قال: (وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: ”أو يكذِّبه“ واستدلَّ به مَن قال: إنَّه إذا قال الرَّجل: زنت يدك أو رجلك أنَّه‼ لا يكون قذفًا فلا حدَّ، وبه قال أشهبُ من أئمة المالكيَّة. وفي «الرَّوضة»: إذا قال: زنت يدك أو عينك أو رجلك، فكنايةٌ على المذهب. وقال ابن القاسم: يُحدُّ، ووُجِّه بأنَّ الأفعال من فاعلِها تضافُ إلى الأيدي، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:30] فكأنَّه إذا قال: زنت يدك وصف ذاته بالزِّنا؛ لأنَّ الزِّنا لا يتبعَّض. وقال في «الكواكب»: فإن قلت: التَّصديق والتَّكذيب من صفاتِ الأخبار، فما مَعناهما(7) هنا؟ وأجاب: بأنَّه لَمَّا كان التَّصديق هو الحكم بمطابقةِ الخبر للواقع، والتَّكذيب الحكم بعدمِها، فكأنَّه هو المُوْقِع أو الوَاقِع فهو تشبيهٌ، أو لمَّا كان الإيقاع مُستلزمًا للحُكم بها(8) عادة فهو كنايةٌ.


[1] في (ع): «يرتكبه».
[2] في (ع) و(د): «إذا».
[3] في (ص): «بالهم».
[4] في (ع) زيادة: «ح».
[5] «أنه»: ليست في (د).
[6] في (ع): «إذا».
[7] في (د): «معناه».
[8] في (س): «بهما».