إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب البر

          ░1▒ (بابُ البِرِّ) للوالدينِ والأقربينَ وغيرِهم (وَالصِّلَةِ) للأرحامِ(1)، قال القرطبيُّ: الرَّحمُ اسمٌ لكافَّة الأقاربِ من غير فرقٍ بين المَحْرمِ وغيرهِ، وأجمعوا على أنَّ صلةَ الرَّحِم واجبةٌ في الجملةِ وأنَّ قطيعتَها معصيةٌ كبيرةٌ، وللصِّلة درجاتٌ بعضُها أرفعُ من بعضٍ، وأَدْناها تركُ المهاجرةِ، وصلتها بالكلامِ ولو بالسَّلام، ويختلفُ ذلك باختلافِ القُدْرة(2) والحاجةِ، فمنها واجبٌ، ومنها مستحبٌّ، ولو لم يصلْ غايتها لا يسمَّى قاطعًا، ولو قصَّر عمَّا يقدر عليه. والبرُّ عملُ كلِّ خيرٍ يفضِي بصاحبهِ إلى الجنَّة، وحذفَ بعضُهم لفظ «البرِّ والصِّلة» وفي الفرع كشط بعد قولهِ: ”باب“ وكتبَ بعده: ({وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}[العنكبوت:8]) وزاد في بعض النُّسخ ”{حُسْنًا}“ والمرادُ آيةُ العنكبوت، والَّذي في «اليونينيَّة» ” ╖ ، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}“ ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ زيادة ”{حُسْنًا}“ و«وصَّى» حكمُه حكمُ «أمرَ» في معناه وتصرُّفِهِ. يقال: وصَّيْت زيدًا بأن يفعلَ خيرًا، كما تقول: أمرتُه بأن يفعلَ، ومنه قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ}[البقرة:132] أي وصَّاهم بكلمة التَّوحيد وأمرَهم بها، وكذلك معنى قوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} وصَّيناه بإيتاءِ والديهِ حسنًا، أو بإيلاءِ والديه حسنًا، أي: فعلًا ذا حُسْنٍ، أو ما هو في ذاتهِ حُسْنٌ لفرطِ حُسنه، ويجوزُ أن تجعلَ {حُسْنًا} من باب قولك: زيدًا بإضمارِ اضرب إذا رأيتَه متهيِّأً للضَّرب، فتنصبَه بإضمار أَوْلِهما أو افعلْ بهما؛ لأنَّ التَّوصية بهما دالَّةٌ عليه، وما بعدَه مطابقٌ له، كأنَّه قال: أَوْلِهما معروفًا، ولا تُطعهما في الشِّرك إذا حملاكَ عليه. /


[1] في (د): «أي: صلة الأرحام».
[2] في (د) و(ع): «القدر».