إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من صور صورةً في الدنيا كلف يوم القيامة

          5963- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ) بالتحتية المشددة والشين المعجمة آخره، الرَّقَّام قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى) ابن عبد الأعلى قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هو ابنُ أبي عَرُوبة (قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة (بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَتَادَةَ) بن دِعامة. قال في «فتح الباري»: كان سعيدُ بن أبي عَروبة كثير الملازمة لقتادة، فاتَّفق أنَّ قتادة والنَّضر اجتمعا فحدَّث النَّضرُ قتادة فسمعه سعيدٌ وهو معه، ووقع في رواية المُستملي وغيره: ”يحدِّثه قتادة“ والضَّمير للحديث، و«قتادة» نصب على المفعوليَّة، والفاعل النَّضر (قَالَ) النَّضر: (كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ) أي: يستفتونَه وهو يجيبهُم عمَّا يستفتونه(1) (وَلَا يَذْكُرُ النَّبِيَّ صلعم ) فيما يجيبهم، أي: لا يذكرُ الدَّليل من السُّنَّة (حَتَّى سُئِلَ) لم يذكر ما سُئل عنه. نعم‼، في «مسلم» عن النَّضر بن أنس بنِ مالكٍ، قال: كنتُ جالسًا عند ابن عبَّاس فجعلَ يُفتي، ولا يقول: قال رسولُ الله، حتَّى سأله رجلٌ فقال: إنِّي رجلٌ أصوِّر هذه الصُّور، فقال له ابن عبَّاس: اُدْنُه فدنا الرَّجل (فَقَالَ) ابن عبَّاس ☻ : (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلعم يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً) ذات روح (فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ) أبدًا فهو معذَّب دائمًا؛ لأنَّه جعلَ غاية عذابهِ إلى أن ينفخَ في تلك الصُّورة الرُّوح وأخبر أنَّه ليس بنافخٍ فيها وهذا يقتضِي تخليدهُ في النَّار، وهذا في حقِّ الَّذي يكفر بالتَّصوير، أمَّا في غيره _وهو العاصي_ يفعل ذلك غير مستحلٍّ له، ولا قاصد أن يُعبد فيعذب عذابًا يستحقِّه ثمَّ يخلص منه، وحينئذٍ يتعيَّن تأويلُ الحديث على أنَّ المراد به: الزَّجر الشَّديد بالوعيدِ بعقاب الكافر ليكون أبلغَ في الارتداعِ، وظاهره غيرُ مرادٍ إلَّا أنَّ حملَه على ما ذُكر أولى، ولا تَنافي بين قوله هنا: «كُلِّف أن ينفخَ» وبين قوله: إنَّ الآخرة ليست دارَ تكليفٍ، فإنَّ المراد بالنَّفي في الثَّاني أنَّها ليست دار تكليفِ عملٍ يترتَّب عليه ثوابٌ أو عقابٌ، فأمَّا مثل هذا التَّكليف فليس بممتنعٍ(2) لأنَّه نفسه عذابٌ، نسأل الله العافية.


[1] في (د): «يفتونه».
[2] في (د) و(م): «يمتنع».