إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عائشة: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة

          5961- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بن قعنب الحارثيُّ، أحدُ الأعلام (عَنْ مَالِكٍ) هو ابنُ أنسٍ إمام الأئمَّة (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصِّدِّيق (عَنْ عَائِشَةَ ♦ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً) بضم النون والراء وكسرهما، وسادةً صغيرة (فِيهَا‼ تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلعم قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفَتْ) عائشة ♦ (فِي وَجْهِهِ) صلعم (الكَرَاهِيَةَ، قَالَتْ(1)) ولأَبَوَي الوقت وذرٍّ: ”وقالت“: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ؟) قال في «شرح المشكاة»: فيه حسنُ أدب من الصِّدِّيقة ♦ حيث قدَّمت التَّوبة قبل اطِّلاعها على الذَّنب، ونحوه قوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}[التوبة:43] فقدَّمَ العفو تلطفًا برسولِ الله صلعم ، كما قدمت التَّوبة(2) على عرفان الذَّنب، ومن ثمَّ قالت: ماذا أذنبتُ؟ أي: ما اطَّلعت على ذنبٍ، ومن ثمَّ حسن قوله(3) (قَالَ(4)) صلعم : (مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا) بحذف إحدى التَّاءين (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ) الَّذين يَصْنعونها يُضَاهون بها خلقَ الله (يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ) تبكيتًا لهم: (أَحْيُوا) بقطع الهمزة المفتوحة (مَا خَلَقْتُمْ) ما صوَّرتم والأمر للتَّعجيز، وفي دخول البيت الَّذي فيه الصُّورة وجهان الأكثرون على الكراهةِ. وقال أبو محمد بالتَّحريم، فلو كانت الصُّورة في ممرِّ الدَّار لا داخلها، كما في ظاهرِ الحمَّامات و(5)دهاليزِها لا يمتنعُ الدُّخول لأنَّ الصُّورة في الممرِّ ممتهنةٌ، وفي المجلسِ مكرَّمة.
          والحاصل ممَّا سبق كراهة صورةِ حيوانٍ منقوشة على سقفٍ، أو جدارٍ، أو وسادةٍ منصوبة، أو سِتْرٍ معلَّق أو ثوبٍ ملبوسٍ، وأنَّه يجوزُ ما على أرضٍ و(6)بِساط يُدَاس، ومخدَّة يُتَّكأ عليها، ومقطوع الرَّأس، وصورة شجر، والفرق أنَّ ما يُوطأ ويُطرح مهانٌ مُبتذل، والمنصوب مرتفعٌ يشبه الأصنام، وأنَّه يحرم تصويرُ حيوان على الحيطان والسُّقوف والأرضِ ونسج الثِّياب.
          (وَقَالَ) النَّبيُّ صلعم : (إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ المَلَائِكَةُ) فمن اتَّخذها عوقبَ بحرمان دخولِ الملائكةِ بيته، وصلاتها عليهِ، واستغفارهَا له.


[1] في (م): «فقالت».
[2] «فقدمت العفو تلطفا برسول الله صلعم كما قدمت التوبة»: ليست في (د).
[3] في (ب): «قبوله».
[4] «قال»: ليست في (م) و(د).
[5] في (م): «أو»، كذا في «الفتح».
[6] في (ب) و(د): «أو».