إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مطلب في بركة شعرات النبي

          5896- وبه قال: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو غسان النَّهديُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) بن يونسَ بنِ أبي إسحاق السَّبيعيُّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة، آخره موحدة، التَّيميِّ، مولى آل طلحة، أنَّه (قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي) آل طلحة، أو امرأتي (إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زوجِ النَّبيِّ صلعم ) سقط قوله: «زوج النَّبيِّ(1)...» إلى آخره لغير أبي ذرٍّ، (بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ) بن يونس (ثَلَاثَ أَصَابِعَ) إشارة إلى صغر القدحِ كما في «الفتح»، أو إلى عددِ إرسال عثمان إلى أمِّ سلمة قاله الكِرمانيُّ، واستبعدَه الحافظُ ابن حَجر، ورجَّحه العينيُّ بأنَّ القدح إذا كان قدر ثلاث أصابع يكون صغيرًا جدًّا، فما يسع فيه / من الماء حتَّى يرسلَ به، وبأنَّ التَّصرُّف بالأصابع غالبًا يكون بالعدد (مِنْ قُصَّة) بضم القاف وبالصاد المهملة المشدَّدة (فِيهِ) أي: في القدح (شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلعم ) وللكُشمِيهنيِّ _كما في «الفرع» _: ”فيها“ بالتَّأنيث يعني القدح؛ لأنَّه إذا كان فيه ماءٌ يسمَّى كأسًا، والكأسُ مؤنَّثة، وعزا في «الفتح» التَّذكيرَ لرواية الكُشمِيهنيِّ، وعند أبي زيد: ”من فِضَّة“ _بالفاء المكسورة والضاد المعجمة_ بيان لجنس القدح، ويحتمل _كما قال الكِرمانيُّ_: أنَّه كان مموَّهًا بفضة لا أنَّه كان كله فضة، أو أنَّه كان فضَّةً(2) خالصةً، وكانت أمُّ سلمة تجيزُ استعمال الإناء الصَّغير في الأكلِ والشُّرب كجماعةٍ من العلماء قاله في «الفتح»، وأمَّا رواية القاف والمهملة فصفةٌ للشَّعر على ما في التَّركيب من القلاقة(3)، ومن ثمَّ قال في «الكواكب»: عليك بتوجيهه. انتهى.
          وقال عثمانُ بن عبد الله بنِ مَوْهَبٍ: (وَكَانَ) النَّاس (إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ) منهم (عَيْنٌ) أي: أصيب بعين (أَوْ) أصابه (شَيْءٌ) من أيِّ مرضٍ كان (بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ) بكسر الميم وإسكان المعجمة الأولى، الإجانة(4) (فَاطَّلَعْتُ) بسكون العين (فِي الحَجْلِ) كذا في «الفرع»: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم مضبَّبًا(5) عليها، وذكره في «فتح الباري» بلفظ وقيل: إنَّ في بعض الرِّوايات بفتح الجيم وسكون المهملة، ففيه تقديم الجيم على الحاء المهملة، عكس ما في الفرع، وفسِّر بالسِّقاء الضَّخم، ولأبي ذرٍّ _ممَّا في الفرع وغيره، ونسبه في «الفتح» للأكثر_: ”في الجُلْجُل“ بجيمين مضمومتين بينهما لام ساكنة وآخره‼ أخرى، يشبهُ الجرس، يوضع فيه ما يُراد صيانته، وهذه الرِّواية هي المناسبةُ هنا لأنَّه إذا كان لصيانة الشَّعرات، كما جزم به وكيعٌ في «مصنفه» بعد ما رواهُ عن إسرائيل حيث قال: كان جُلْجُلًا من فضَّة صيغَ(6) صونًا لشعراتٍ كانت عند أمِّ سلمة من شعرِ النَّبيِّ صلعم ، كان المناسب لهنَّ الظَّرف الصَّغير لا الضَّخم، فالظَّاهر _كما في «الفتح»_ أنَّ الرِّواية الأولى تصحيفٌ، فقد(7) وضح أنَّ رواية: «من فضَّة» أشبه وأولى من قوله: «من قصة» _بالقاف_، وإن رواها الأكثر فيما قاله ابنُ دحية لقوله بعد: فاطَّلعت في الجُلْجُل (فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا) وهذا موضع التَّرجمة لأنَّه يدلُّ على الشَّيب، والحاصل من معنى الحديث أنَّه كان عند أمِّ سلمة شعراتٌ من شعر النَّبيِّ صلعم حمرٌ في شيءٍ يشبه الجُلْجُل، وكان النَّاس يستشفونَ بها من المرض، فتارةً يجعلونها في قدحٍ من ماءٍ ويشربونه، وتارةً في إجَّانةٍ من الماء فيجلسونَ في الماء الَّذي فيه الجُلْجل الَّذي فيه شعره الشَّريف(8).
          وهذا الحديثُ أخرجهُ ابن ماجه في «اللِّباس» أيضًا.


[1] في (د) زيادة: « صلعم ».
[2] «أو أنه كان فصة»: ليست في (ب) و(د).
[3] في (م) و(د): «العلاقة»، وفي (ص): «القلادة».
[4] «بكسر الميم وإسكان المعجمة الأولى الإجانة»: ليست في (س).
[5] في (د): «مضبب».
[6] في (ل) و(م): «صنع».
[7] في (د): «وقد».
[8] في (م): «شعراته الشريفة».