إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب لبس القسي

          ░28▒ (باب لُبْسِ) الثَّوب (القَسِّيِّ) بفتح القاف وكسر المهملة والتحتية المشددتين. وقال أبو عبيدٍ في «غريب الحديث»: أهل الحديث يكسرون القاف، وأهلُ مصر يفتحونها نسبةً إلى بلدةٍ(1) على ساحل البحرِ، يقال لها: القَسُّ، بالقرب من دمياط.
          (وَقَالَ عَاصِمٌ) هو ابنُ كُلَيب، ممَّا وصله مسلمٌ من طريق عبد الله بنِ إدريس، عن عاصم (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) عامرِ بنِ أبي موسى عبد الله بنِ قيس الأشعريِّ، أنَّه (قَالَ: قُلْتُ)‼ ولأبي ذرٍّ: ”قلنَا“ (لِعَلِيٍّ) هو ابنُ أبي طالبٍ، لمَّا قال: نهانِي رسولُ الله صلعم عن لُبْس القَسِّيِّ وعن المياثرِ (مَا القَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنَ الشَّأْمِ أَوْ مِنْ مِصْرَ) وفي مسلم «من مصر والشَّأم» (مُضَلَّعَةٌ) فيها خطوطٌ عريضةٌ كالأضلاع (فِيهَا حَرِيرٌ) يخالطه غيره (فِيهَا) ولأبي ذرٍّ: ”وفيها“ (أَمْثَالُ الأُتْرُنْجِ) بضم الهمزة وسكون الفوقية والنون بينهما راء مهملة(2)، يعني إنَّ الأضلاع الَّتي فيها غليظةٌ (وَالمِيثَرَةُ) بكسر الميم بعدها تحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة، والمياثرُ من الوِثَار(3) فقُلِبت الواو ياءً في(4) المفردِ لسكونها وانكسارِ ما قبلَها، وِطَاءٌ (كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ) من الحرير والدِّيباج (لِبُعُولَتِهِنَّ) لأزواجهنَّ (مِثْلَ القَطَائِفِ) جمعُ قطيفةٍ، وهي الكساء المخملُ (يُصَفِّرْنَهَا) بكسر الفاء بعدها راء ساكنة، كذا في الفرع، من الصُّفرة، وقال في «الفتح»: وحكى عياضٌ في رواية: ”يضفرنها“ وأظنُّه تصحيفًا، ولأبي ذرٍّ ممَّا في هامش الفرع: ”يصُفُّونها“ بضم الصاد والفاء المشدَّدة، أي: يجعلونها مصفوفةً تحت السَّرج يوطِّئون بها من(5) تحت، وقيل: هي أغشيةُ السُّروج، وقيل: هي كالفراش الصَّغير من حريرٍ يحشى بقطنٍ أو صوفٍ يجعلها الرَّاكب تحته فوق الرَّحل، وقيل: تكون من غيرِ الحرير كالصُّوف والقطن، فالنَّهيُ واردٌ على الغالبِ(6) وهو الحريرُ، ولا كراهة في غيرها على الأصحِّ، والجمهورُ على جوازِ لبس ما خالطَه الحرير إذا كان غير الحرير أكثر أو يستوي فيه الحرير وغيره؛ لأنَّه لا يسمَّى ثوب حريرٍ.
          (وَقَالَ جَرِيرٌ) هو ابنُ عبد الحميد، فيما وصلَه إبراهيم الحربيُّ في «غريب الحديث» له، عن عثمان ابن أبي شيبةَ، عنه (عَنْ يَزِيدَ) من الزِّيادة، ابن أبي زياد (فِي حَدِيثِهِ) عن الحسن بنِ سهيل(7): (القَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الحَرِيرُ، وَالمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ) قال النَّوويُّ: هو تفسيرٌ باطلٌ مخالفٌ لما أطبقَ عليه أهل الحديث. وأجاب في «فتح الباري»: باحتمالِ أن تكون المِيْثَرة وطاء صُنِعَتْ من جلدٍ ثمَّ حُشيت، وضبط الدِّمياطيُّ «يزيد» في حاشيةِ نسختهِ بالموحدة والراء مصغَّرًا، ووهَّمَه الحافظُ ابنُ حجر، كما وهَّم الكِرمانيَّ في قوله: إنَّه يزيد بن رومان، وأنَّ جريرًا هو: ابن أبي حازمٍ، ثمَّ قال: وقد أخرج ابن ماجه أصل هذا الحديث من طريق عليِّ بنِ مُسْهر عن يزيد بنِ أبي زيادٍ عن الحسنِ بن سهيلٍ(8)، عن ابنِ عمر.
          (قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ) البخاريُّ: (عَاصِمٌ) المذكورُ، روايتُه (أَكْثَرُ) طرقًا (وَأَصَحُّ فِي) تفسير (المِيثَرَةِ) من تفسير جرير بجلود السِّباع، وسقط قوله: «قال(9) أبو عبد الله‼...» إلى آخره عند أبي ذرٍّ.


[1] في (د): «بلد».
[2] «بينهما راء مهملة»: ليست في (د).
[3] في (د): «الوثارة».
[4] في (د): «من».
[5] لفظة «من»: زيادة للبيان.
[6] في (ص) زيادة: «فيها».
[7] هكذا في مصادر التخريج و«الفتح» والذي في الأصول: «سهل» وهو تحريف.
[8] في (م): «نكحت».
[9] في (د): «وقال».