إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة

          5806- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ) محمَّد بن مسلم ابنِ شهابٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر ☻ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ) بالإفراد فيها كلها (وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ، وَلَا الخُفَّيْنِ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ(1) يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ) وليس ذكرُ الزَّعفران والوَرْس(2) للتَّقييد، بل لأنَّهما الغالب فيما يُصنَعُ(3) للزِّينة والتَّرفُّه، فيلحقُ بهما ما في معناهما.
          والمطابقةُ في قوله: «ولا العمامة» ولم يذكر البخاريُّ في العمامة شيئًا، ولعلَّه لم يثبتْ عنده شيءٌ على / شرطه فيها، وعند أبي داود والتِّرمذيِّ عن رُكانة رفعه: «فرقُ ما بيننَا وبين المشركين العَمَائم» وعن ابن(4) عمر «كان رسولُ الله صلعم إذا اعتَمَّ سدلَ(5) عمامتَه بين كتفيهِ». رواه التِّرمذيُّ. وعند ابنِ أبي شيبة من حديث [عائشة](6) «أنَّ رسول الله صلعم عمَّم عبد الرَّحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطنٍ وأفضل له من(7) بين يديهِ مثل هذه». وفي رواية نافعٍ عن ابن عمر قال: عمَّم رسولُ الله صلعم ابنَ عوف بعمامةٍ وأرخاها من خلفهِ قدر أربعِ أصابعَ، وقال: «هكذَا فاعتمَّ». وفي حديث الحسن بن عليٍّ عند أبي داود أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم على المنبر وعليه عمامة سوداءُ قد أرخَى طرفَها بين كتفيهِ. وفي التِّرمذيِّ عن ابنِ عمر ☻ «كان النَّبيُّ صلعم إذا اعتمَّ سدلَ عمامتَه بين كتفيه».
          وهل تُرْخى من الجانبِ الأيسر أو الأيمن؟ قال الحافظ الزِّين العراقيُّ: المشروعُ من الأيسر، ولم أرَ ما يدلُّ على تعيين الأيمن إلَّا في حديث أبي أمامة بسندٍ فيه ضعفٌ عند الطَّبرانيِّ في «الكبير» قال: «كان رسولُ الله صلعم لا يولِّي واليًا حتَّى يعمِّمه ويرخِي‼ لها عذَبة(8) من الجانبِ الأيمن نحو الأُذن». قال الحافظُ: وعلى تقدير ثبوته فلعلَّه كان يرخيهَا من الجانبِ الأيمن ثمَّ يردُّها من الجانبِ الأيسر إلَّا أنَّه شعارُ الإماميَّة، وهل المرادُ بالسَّدل سدلُ الطَّرف الأسفلِ حتَّى يكون عذَبة أو الأعلى فيغرزُها ويرسلُ منها شيئًا خلفَه؟ يحتملُ الأمرين، ولم أرَ التَّصريح بكون المرخِي من العمامة عذَبة إلَّا في حديث عبدِ الأعلى بنِ عديٍّ عند أبي نُعيم في «معرفة الصَّحابة» أنَّه صلعم دعا عليَّ بن أبي طالبٍ ☺ يوم غديرِ خمٍّ فعمَّمه وأرخَى عذبة العِمامة من خلفهِ، ثمَّ قال: «هكذا فاعتمُّوا فإنَّ العمائمَ سيما الإسلامِ وهي حاجز بين المسلمين والمشركين» والعَذَبة: الطَّرف كعذَبة السَّوط واللِّسان، أي: طرفهما، فالطَّرف الأعلى يسمَّى عذَبةً من حيث اللُّغة، وإن كان مخالفًا للاصطلاحِ العُرْفي الآن، وفي بعضِ طرقِ حديث ابنِ عمر ما يقتضِي أنَّ الَّذي كان يرسلُه بين كتفيهِ من الطَّرف الأعلى. أخرجه أبو الشَّيخ وغيرُه من حديث ابنِ عمر: «أنَّه صلعم كان يديرُ كَوْر العِمامة على رأسهِ، ويغرزُها من ورائهِ، ويُرخي لها ذؤابةً بين كتفيهِ». وفي كتابي المواهب اللَّدنِّية مزيد لذلك، وبالله التَّوفيق والمستعان.


[1] في (م): «لا».
[2] في (د): «المزعفر والمورس».
[3] في (م): «يصبغ».
[4] في (ب): «أبي».
[5] في (ص): «أسدل».
[6] بياض في الأصول، والمثبت من «التوضيح» لابن الملقن و«عمدة القاري».
[7] في (م): «ما».
[8] قوله: «عذبة» زيادة من المعجم الكبير.