إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ضرب رسول الله مثل البخيل والمتصدق

          5797- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع(1)، ولأبي ذرٍّ بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنديُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ) عبد الملك العقديُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ) المخزوميُّ (عَنِ الحَسَنِ) بن مسلم ابن يَنَّاق المكيُّ (عَنْ طَاوُسٍ) اليمانيِّ ابن كيسان، أبي عبد الرَّحمن الحِمْيريِّ، مولاهم، الفارسيِّ. قيل: اسمه ذكوان، ولقبه طاوس (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ أنَّه (قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم مَثَلَ البَخِيلِ) الَّذي هو ضدُّ الكريم (وَ) مثل (المُتَصَدِّقِ) الَّذي يعطي الفقير من ماله في ذات الله (كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ) بضم الجيم وتشديد الموحدة، تثنية جبَّة، اللِّباس المعروف (مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا) بفتح الطاء ونصب التحتية الثانية من أيديَهما عند أبي ذرٍّ على المفعوليَّة، ولغيره بضم الطاء وسكون التحتية، مرفوعٌ نائب عن الفاعل (إِلَى ثُدِيِّهِمَا) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد التحتية، جمع ثدي (وَتَرَاقِيهِمَا) بالقاف، جمع تَرْقوة، وهو العظمُ الَّذي بين ثُغْرة النَّحر والعاتق (فَجَعَلَ) أي: طفق (المُتَصَدِّقُ / كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ) أي: انتشرتْ عنه الجبة (حَتَّى تُغَشِّيَ) بضم الفوقية وفتح الغين وكسر الشين المشددة المعجمتين، كذا لأبي ذرٍّ، ولغيره بفتح الفوقية وسكون الغين وفتح الشين، تغطِّي (أَنَامِلَهُ) رؤوس أصابع رجليهِ (وَتَعْفُوَ(2) أَثَرَهُ) بفتح الهمزة والمثلثة، أي: أثر‼ مشيهِ لسبوغها (وَجَعَلَ البَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ) بالقاف واللام المخففة والصاد المهملة المفتوحات، أي: تأخَّرت وانضمَّتْ وارتفعتْ (وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ) بسكون اللام، من الجُبَّة (بِمَكَانِهَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ : (فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ) ولأبي ذرٍّ بالتَّثنية (هَكَذَا فِي جَيْبِهِ) بفتح الجيم، بعدها تحتية ساكنة فموحدة، وهو موافقٌ لما ترجمَ به، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”جُبَّته“ بضم الجيم بعدها موحدة مشددة فمثنَّاة فوقية فضمير، والأولى أوجه، وفيه التَّعبير بالقول عن الفعلِ (فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَوَسَّعُ(3)) لتعجبت، وسقطتْ(4) إحدى تاءي «تتوسع» لأبي ذرٍّ. (تَابَعَهُ) أي: تابع الحسن بن مسلم (ابْنُ طَاوُسٍ) عبد الله (عَنْ أَبِيهِ) يعني عن أبي هريرة، فيما سبق موصولًا في «باب مثل المتصدِّق والبخيل من الزَّكاة» [خ¦1443] (وَ) تابعه أيضًا (أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بنُ ذكوان، فيما وصلَه في البابِ المذكور [خ¦1443] (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هُرمز، عن أبي هريرة (فِي الجُبَّتَيْنِ) بالباء الموحدة وصحَّح عليها في الفرع.
          (وَقَالَ حَنْظَلَةُ) بن أبي سفيان المكِّيُّ، فيما سبق في «الزَّكاة» أيضًا [خ¦1444] (سَمِعْتُ طَاوُسًا) يقول: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جُبَّتَانِ) بالموحدة أيضًا، وفي «اليونينيَّة» بالنون عند أبي ذرٍّ (وَقَالَ جَعْفَرٌ) أي: ابن ربيعة، ولأبي ذرٍّ: ”جعفر بن حَيَّان“بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المشددة، العطارديُّ. قال ابنُ حجر الحافظ _كالغسَّاني_: وهو خطأٌ، والصَّواب ابن ربيعة (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن (جُنَّتَان) بضم الجيم بعدها نون تثنية جُنَّة، وهي الوقايةُ. قال الطِّيبيُّ: وهو أنسبُ لأنَّ الدِّرع لا يسمَّى جُبَّة بالموحدةِ بل بالنون، وأوقعَ المتصدِّق مقابلًا للبخيل، والمقابل الحقيقيُّ السَّخيُّ إيذانًا بأنَّ السَّخاء ما أمر به الشَّرع، وندبَ إليه من الإنفاق لا ما يتعاناهُ المبذِّرون، وخصَّ المشبَّه بهما بلبسِ الجُبَّتين من الحديدِ إعلامًا بأنَّ القبضَ والشُّح من جبلَّة الإنسان وخلقتهِ، وأنَّ السَّخاء من عطاءِ الله وتوفيقهِ، يمنحُه من يشاء من عبادهِ المفلحين، وخصَّ اليد بالذِّكر لأنَّ السَّخيَّ والبخيلَ يوصفان ببسط اليدِ وقبضها، فإذا أريدَ المبالغة في البخلِ قيل: مَغْلولة يده إلى عنقهِ وثديه وتراقيه، وإنَّما عدل عن الغَلِّ إلى الدِّرع لتصوير معنى الانبساط والتَّقلُّص، والأسلوبُ من التَّشبيه المُفَرَّق، شبَّه السَّخي الموفَّق إذا قصد التَّصدُّقَ يَسهُل عليه ويطاوعه قلبُه بمن عليه الدِّرع ويده تحتَ الدِّرع، فإذا أرادَ أن يخرجَها منها وينزعها يسهلُ‼ عليه، والبخيلُ على عكسهِ.
          والحديث سبق في «الزَّكاة» [خ¦1443].


[1] «بالجمع»: ليست في (د).
[2] في (م): «تقفوا».
[3] في (م) هنا والموضع التالي: «تتسع».
[4] في (د): «لتعجبت منه وسقط».