إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته

          5789- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياس قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ) القرشيُّ الجُمَحيُّ مولاهم (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ) / ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله صلعم “ (أَوْ قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلعم ) قال الحافظُ ابن حجر: الشَّكُّ من آدم شيخ البخاريِّ (بَيْنَمَا) بالميم (رَجُلٌ) جزم الكَلَاباذيُّ بأنَّه قارون، وكذا قاله الجوهريُّ في «صحاحه»(1)، وذكر السُّهيليُّ في «مبهمات القرآن» في سور الصَّافَّات عن الطَّبريِّ(2) أنَّ قائل {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا}[الصافات:97] اسمه الهَيْزَن، رجلٌ من أعراب فارس، قال: وهو الَّذي جاء في الحديث «بينما رجل» (يَمْشِي فِي حُلَّةٍ) إزارٍ ورداءٍ (تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ) وإعجاب المرء بنفسه كما _قال القرطبيُّ_ هو ملاحظتُه لها بعين الكمال مع نسيان نعمةِ الله، فإن احتقرَ غيره مع ذلك فهو الكبرُ المذموم (مُرَجِّلٌ) بكسر الجيم المشددة، مُسَرِّحٌ (جُمَّتَهُ) بضم الجيم وتشديد الميم، مجتمع شعر رأسه المتدلِّي منها إلى المنكبين فأكثر، وهو أكبرُ من الوفرة (إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ) بجيمين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة، أي: يتحرَّك أو يسوخ في الأرضِ مع اضطرابٍ شديدٍ(3) ويندفعُ من شقٍّ إلى شقٍّ (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) وعند الحارث بنِ أبي أسامة من حديثِ ابن عبَّاسٍ وأبي هريرة بسندٍ ضعيفٍ جدًّا عن النَّبيِّ صلعم : «من لبس ثوبًا جديدًا فاختالَ فيه خُسِفَ به من شفيرِ جهنَّم فيتجلجَلُ فيها لأنَّ قارون لبس حُلَّةً فاختال فيها فخُسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة». وفي «تاريخ الطبري» عن قتادة قال: ذُكِر لنا أنَّه يخسفُ بقارون كلَّ يوم قامة، وأنَّه يتجلجل‼ فيها لا يبلغُ قعرها إلى يوم القيامة، والحاصل أنَّ هذا حكاية عن وقوعهِ في الأمم السَّابقة. وفي «مسلم» من طريق أبي رافعٍ عن أبي هريرة زيادة «ممَّن كان قبلكُم» وكذا أخرجه المؤلِّف في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3485] وأمَّا ما أخرجه أبو يعلى من طريق كُرِيب قال: كنتُ أقودُ ابن عبَّاس فقال: حدَّثني العبَّاس قال: «بينما أنا مع رسولِ الله صلعم إذ أقبل رجلٌ يتبخترُ بين ثوبين». الحديث. فهو ظاهرٌ في أنَّه وقعَ في زمنه صلعم فسنده ضعيفٌ، ولئن(4) سلَّمنا ثبوتَه فيحتملُ التَّعدُّد. وحكى القاضِي عياض: أنَّه روي: ”يتجلَّل“ بجيمٍ واحدة ولامٍ ثقيلةٍ، وهو بمعنى يتغطَّى، أي: تغطية الأرض. انتهى.
          والَّذي في الفرع: ”يتجلَّل“ كما حكاه عياضٌ، وفي هامشه: ”يتجلجلُ“ بجيمين ولامين، من غيرِ خطِّ الأصل، وقد ذكر في «فتح الباري» نكتة لطيفة وهي أنَّ مقتضى هذا الحديث أنَّ الأرض لا تأكلُ جسد هذا الرَّجل، فيمكن أن يُلْغزَ به فيقال: كافرٌ لا يبلى جسدُه بعد الموت.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في «اللِّباس» أيضًا.


[1] في (ل): «ولذا قاله في «صحاحه»».
[2] في (ب) و(س): «الطبراني».
[3] في (د): «الاضطراب الشديد».
[4] في (م) و(د): «لو».