إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من اصطبح كل يوم تمرات عجوةً

          5768- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو ابنُ عبد الله المدينيُّ، كما جزم به أبو نُعيم في «المستخرج» والمِزيُّ في «الأطراف». وقال الكِرمانيُّ في «الكواكب الدَّراري»: إنَّه في بعض النُّسخ: ”علي بن سلَمة“ بفتح اللام، اللَّبَقي _بفتح الموحدة وبالقاف_. قال في «الفتح»: وما عرفت سلفه فيه، وقال العينيُّ: غرضه _أي: في «الفتح»_ التَّشنيع على الكِرمانيِّ بغير وجهٍ لأنَّه ما ادَّعى فيه جزمًا أنَّه ابن سلَمة وإنَّما نقله عن نسخة هكذا، ولو لم تكن النُّسخة معتبرة لما نقله منها(1). وأجاب في «انتقاض الاعتراض» بأنَّه _أي: الكِرماني_ لو كانت معتمدةً عنده ما أبهمها، فإنَّه ينقل من نسخة الفَـِرَبْريِّ تارةً، ومن نسخة الصَّغَاني تارةً ونحوهما، وإذا دار الأمرُ(2) بين ما جزمَ به أبو نُعيم ومن تبعَه وبين نسخةٍ مجهولةٍ أيُّهما يعتمدُ عليه؟ انتهى.
          وقال الحافظ ابن حجر في «تقريبه» علي بن سلَمة اللَّبَقي، يقال: إنَّ البخاريَّ روى عنه. عبد الله بن عبد الرحمن قال: حدَّث(3) فذكره بصيغة التَّمريض، وقد ذكر في «المقدِّمة»: إنَّ في «الشُّفعة» [خ¦2259] و«تفسير سورة الفتح» [خ¦4841] حدَّثنا عليٌّ: حدَّثنا شَبَّابة. وعليٌّ هذا نسبه أبو ذرٍّ عن المُستملي في روايتهِ(4) في الموضعين ”علي بن سلَمة“ وهو اللَّبَقي. وفي «تفسيرِ المائدة» [خ¦4613] و«باب الدُّعاء في الصَّلاة» من «كتاب الدَّعوات» [خ¦6327] حدَّثنا علي: حدَّثنا مالك بن سُعَير. وعليٌّ هذا هو ابنُ سلَمة اللَّبَقي. انتهى. وذكره ابنُ خَلْفون في «مشايخ البخاري» وقال الذَّهبيُّ في «تذهيب(5) التَّهذيب»: قال أبو الوليد الفقيه: سمعتُ أبا الحسن الزُّهريَّ يقول: حضرت محمَّد بن إسماعيل وسُئل عن عليِّ بن سلَمة فقال: ثقةٌ، وقد مضيتُ معه وسمعنا(6) منه، قال: (حَدَّثَنَا مَرْوَانُ) بنُ معاوية الفزاريُّ قال: (أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ) هو ابنُ هاشم(7) بنِ عتبة بنِ أبي وقَّاص‼ قال: (أَخْبَرَنَا عَامِرُ(8) بْنُ سَعْدٍ) هو: ابن عمِّه(9) عامر بن سعد والد هاشم المذكور(10) (عَنْ أَبِيهِ) سعد بن أبي وقَّاص، أحد العشرة(11) ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنِ اصْطَبَحَ) أي: من أكلَ صباحًا (كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ) بالتَّنوين (عَجْوَةً) بالنَّصب(12) عطف بيانٍ أو صفة لتمراتٍ، ولأبي ذرٍّ: ”تَمَراتِ عَجْوَةٍ“ بإضافة تمراتٍ لعجوة، كثياب خزٍّ (لَمْ يَضُرُّهُ سَـُمٌّ) بضم السين وفتحها (وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ) مفهومه أنَّ السِّرَّ الَّذي في أكلِ العجوة من دفعِ ضرر السُّمِّ والسِّحر يرتفعُ إذا دخل اللَّيل في حقِّ من تناولَه من أوَّل النَّهار. قال في «الفتح»: ولم أقف في شيءٍ من الطُّرق على حكم من تناول ذلك أوَّل اللَّيل، هل يكون كمَن تناوله أوَّل النَّهار حتَّى يندفع(13) عنه ضرر السُّمِّ والسِّحر إلى الصَّباح؟ قال: والَّذي يظهرُ خصوصيَّة ذلك بالتَّناول أوَّل النَّهار؛ لأنَّه حينئذٍ يكون الغالب أنَّ تناوله يقع على الرِّيق، فيحتمل أن يلتحقَ به(14) من تناولَه أوَّل اللَّيل على الرِّيق كالصَّائم. انتهى.
          قال تلميذُه شيخنا الحافظ السَّخاويُّ: وقع في حديث الباب من طريقِ رواية فُليح، عن عامرٍ. فإنَّه قال: وأظنُّه: «وإن أكلَها حين يمسي لم يضرُّه شيءٌ حتَّى يصبحَ» رواه أحمد في «مسنده»، بل(15) وقعَ عند الطَّبراني في «الأوسط» من حديثِ أبي طُوَالة، عن أنسٍ، عن عائشة مرفوعًا: «مَن أكلَ سبعَ تمراتٍ من عجوةِ المدينةِ في كلِّ(16) يوم...» الحديث. قال: «ومَن أكلهنَّ ليلًا(17) لم يضرُّه».
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير عليٍّ شيخ المؤلِّف(18)، وكأنَّه أراد جمعة [خ¦5445]: (سَبْعَ تَمَرَاتٍ) والمطلقُ في الأوَّل يحملُ على المقيَّد.


[1] في (م): «عنها».
[2] في (م) زيادة: «كما».
[3] قوله: «عبد الله بن عبد الرحمن قال: حدَّث» زيادة من المسند (1442) لا بد منها.
[4] «في روايته» وقع في (ب) بعد لفظ «أبو ذر».
[5] في (م): «صحيح تذهيب»، وفي (س): «تهذيب».
[6] في (س): «سمعنا» بدون واو.
[7] في (د): «ابن أبي هاشم».
[8] في (م): «همام»، وهو تصحيف.
[9] هكذا في (ل) و(ب)، وهو الصواب، وسقطت: «عمِّه» من (م)، وفي غيرهم: (ابن عم)، وبهامش (ل): قوله: «هو ابن عمِّه»، أي: ابن عمِّ هاشم؛ فإنَّ عتبة وسعدًا أخوان ابنا أبي وقَّاص، فهاشم بن عتبة وعامر بن سعد فليُتَأمَّل.
[10] في (س): «عامر بن سعد بن أبي وقَّاص أحد العشرة» لكن والده اسمه عتبه.
[11] «أحد العشرة»: ليست في (س).
[12] في (د): «نصب».
[13] في (ب) و(س): «يدفع».
[14] في (م): «يلحق»، كذا في «الفتح».
[15] في (ب): «لكن».
[16] «كل»: ليست في (ص) و(م) و(د).
[17] في (ص): «يوما».
[18] في (د): «المصنف».