إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم رب الناس أذهب البأس

          5743- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ بالإفراد (عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) بفتح العين وسكون الميم، الفلَّاس الصَّيرفيُّ البصريُّ أبو حفصٍ، أحدُ الأعلام، قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (سُلَيْمَانُ) بنُ مهران الأعمش (عَنْ مُسْلِمٍ) بن صُبَيْحٍ الهَمْدانيِّ العطَّار. قال في «الفتح»: هو أبو الضُّحى، مشهورٌ بكنيته أكثر من اسمه. قال: وجوَّز الكِرمانيُّ أن يكون مسلمَ بن عمران لكونهِ يروي عن مسروق، ويروي الأعمشُ عنه. قال ابنُ حَجر: وهو تجويزٌ عقليٌّ محضٌ يَمُجُّهُ سمع المحدِّث على أنَّني لم أرَ لمسلمِ بن عمران البَطين رواية عن مسروق وإنْ كانت مُمكنة، وهذا الحديثُ إنَّما هو من روايةِ الأعمشِ، عن‼ أبي الضُّحى، عن مسروق، وقد أخرجَ مسلمٌ من رواية جريرٍ، عن الأعمشِ، عن أبي الضُّحى، عن(1) مَسروقٍ به، ثُمَّ أخرجهُ من رواية هُشيمٍ ومن روايةِ شُعبة ومن رواية يحيى القَّطان عن الثَّوريِّ كلهم عن الأعمشِ، قال: بإسناد جريرٍ، فوضح أنَّ مسلمًا المذكور في رواية البخاريِّ هو أبو الضُّحى فإنَّه أخرجهُ من رواية يحيى القطَّان، وغايته أنَّ بعض الرُّواة عن يحيى سمَّاه وبعضهم كنَّاه. انتهى.
          وتعَّقبهُ العينيُّ فقال: هذا الَّذي قالهُ يَمُجُّه سمْعُ كلِّ أحدٍ، ودعْواه أنَّه لم يرَ لمسلم بن عمران روايةً عن مسروقٍ باطلةٌ لأنَّ غيرهُ أثبتها(2)، فكيف يدَّعي هذا المدَّعي بدعواهُ الفاسدة ردًّا على من سبقهُ في شرحِ(3) هذا الحديثِ مشنِّعًا(4) عليه بسوءِ أدبٍ {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}[الإسراء:84]. انتهى.
          وأجاب الحافظ ابنُ حَجر(5) في «انتقاض الاعتراض» بقوله: سبحانَ من خذلَ هذا المُعترض حتَّى يعيب ما وقع فيه، وأعجبُ ما يسمع أنَّ هذا المعترضَ قال في «باب مسحِ الرَّاقي الوَجَعَ بيده» حين أوردَ المصنِّف الحديثَ المذكور عن سفيان، عن الأعمشِ بالسَّند المذكورِ: عن سفيانَ(6): هو الثَّوريُّ، والأعمش هو سليمان، ومسلمٌ هو أبو الضُّحى، فذكر لفظ أحمد بن حجر بعينهِ، ونسيَ ما قيل عنِ الكِرمانيِّ ثمَّ، وليس بينهما سوى(7) باب واحد يأتي إن شاء اللهُ تعالى (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو ابنُ الأجدعِ (عَنْ عَائِشَةَ ♦ : أَنَّ النَّبِيَّ(8) صلعم كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ) قال في «الفتح»: لم أقفْ على تعيينه (يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليُمْنَى) على موضعِ الوجع تفاؤلًا لزوال الوجعِ، كما قالهُ الطَّبريُّ(9) (وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البأسَ) بالهمز في فرع(10) «اليُونينيَّة» والمشهورُ حذفهُ ليناسب سابقهُ (واشْفِهِ) بكسر الهاء، أي: العليل (وَأَنْتَ الشَّافِي) بإثبات الواو في الكلمتينِ للحَمُّويي والمستمليِّ، وحذفها فيهما للكُشميهنيِّ (لَا شِفَاءَ) بالمدِّ مبنيٌّ على الفتحِ، حاصلٌ لنا أو للمريضِ (إِلَّا شِفَاؤُكَ) بدلٌ من موضعِ: «لا شفاء». وقال في «المصابيح»: الكلامُ في إعرابه كالكلامِ في قولنا: لَا إلهَ إلَّا الله، ولا يخفى أنَّه بحسب صدر الكلامِ نفيٌ لكلِّ إله سواهُ تعالى، وبحسب الاستثناء إثباتٌ(11) له ولألوهيتهِ؛ لأنَّ الاستثناءَ من النَّفي إثباتٌ لا سيَّما إذا كان بدلًا فإنَّه يكونُ هو المقصودَ بالنِّسبة، ولهذا كان البدلُ الَّذي هو المختارُ في كلِّ كلامٍ تامٍّ غير موجبٍ بمنزلةِ الواجبِ في هذهِ(12) الكلمةِ الشَّريفة حتَّى لا يكاد يستعملُ لا إله إلَّا الله بالنَّصب ولا إله إلَّا إيَّاه. فإن قيل: كيف يصحُّ مع أنَّ البدل هو المقصودُ والنِّسبة إلى المبدلِ‼ منه سلبيَّة؟ فالجوابُ: أنَّه إنَّما وقعت النِّسبةُ إلى البدل بعد النَّقض بإلَّا، فالبدل هو المقصودُ بالنَّفي المعتبر في المبدل / منه، لكن بعد نقضهِ ونقضُ النَّفي إثباتٌ. انتهى. (شِفَاءً) أي: اشف شفاءً (لَا يُغَادِرُ) لا يتركُ (سَقَمًا) والتَّنوين للتَّقليل.
          (قَالَ سُفْيَانُ) الثَّوريُّ _بالسَّند السَّابق_: (حَدَّثْتُ(13) بِهِ) بهذا الحديثِ (مَنْصُورًا(14)) يعني: ابنَ المعتمر (فَحَدَّثَنِي) بالإفرادِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ مَسْرُوقٍ) أي: ابن الأجدعِ (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (نَحْوَهُ) أي: نحو متن الحديث السَّابقِ.
          وهذا الحديثُ(15) الأوَّل أخرجهُ مسلمٌ في «الطِّبِّ» وكذا النَّسائيُّ في(16) «اليوم واللَّيلة».


[1] قوله: «ويروي الأعمش عنه ... أبي الضحى عن»: ليس في (ص).
[2] في (د): «أثبته».
[3] في (د): «لشرح».
[4] في (م) و(د): «تشنعا».
[5] «الحافظ ابن حجر»: ليست في (س).
[6] «عن الأعمش بالسند المذكور عن سفيان»: ليست في (م) و(د).
[7] في (د): «إلا».
[8] في (ص): «رسول الله».
[9] في (م): «الطبراني»، وفي (د): «قال الطِّيبي».
[10] «فرع»: ليست في (د).
[11] في (د): «الثابت».
[12] في (م): «و».
[13] في (م): «حدثنا».
[14] في (م): «عن منصور».
[15] «وهذا الحديث»: ليست في (م) و(د).
[16] في (س): «وفي».