إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن أسماء كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها

          5724- وبه قالَ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ (عَنْ مَالِكٍ) الإمام (عَنْ هِشَامٍ) هو: ابنُ عُروةَ (عَنْ) ابنة عمِّه وزوجتهِ (فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ) بن الزُّبير (أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ) ولأبي ذرٍّ: ”ابْنَةَ“ (أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق ( ☻ كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بِالمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ) بضم الحاء وفتح الميم المشددة، حال كونها‼ (تَدْعُو لَهَا، أَخَذَتِ المَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا) بين المحمومة (وَبَيْنَ جَيْبِهَا) بفتح الجيم وكسر الموحدة بينهما تحتية ساكنة، وهو ما يكون مُفْرَجًا من الثَّوب كالطَّوقِ والكمِّ (قَالَتْ) أسماءُ: (وَكَانَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقالَتْ: كانَ“ (رَسُولُ اللهِ صلعم يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالمَاءِ) بفتح النون وضم الراء بينهما موحدة ساكنة، ولأبي ذرٍّ _كما في «الفتح»_: ”أنْ نُبَرِّدهَا“ بضم ففتح فكسر مع تشديد، وفيه كيفيَّةُ التَّبريدِ المطلق في الحديث السَّابقِ والصَّحابيُّ، ولاسيَّما أسماءُ بنت أبي بكرٍ الَّتي كانت ممَّن يلزمُ بيته صلعم وهي(1) أعلمُ بمرادهِ صلعم من غيره(2)، ولعلَّ هذا هو الحكمةُ في سياق المؤلِّف حديثها عقبَ حديثِ ابن عمرَ المذكور، فللَّه درُّه ما أدَّقَ نظره، وأبدعَ ترتيبهُ ☼ وإيَّانا، وقد تبيَّن أنَّ المراد استعمالُ الماء على وجهٍ مخصوصٍ لا اغتسال جميع البَدن، وحينئذٍ فلم يبق للمُعترضِ بأنَّ المحمومَ إذا انغمسَ في الماء أصابته الحمَّى، فاحتقنتِ الحرارةُ في باطن بدنهِ وربَّما أحدثتْ له مرضًا مهلكًا إلَّا مرض الدِّعة(3).
          وأمَّا حديثُ ثوبان رفعه: «إذا أصابَ أحدكُم الحمَّى وهي قطعةٌ من النَّار، فليطفئْهَا عنه بالماءِ، يستنقعُ في نهرٍ جارٍ ويستقبلُ جريتهُ، وليقل: بسم اللهِ، اللَّهمَّ اشفِ عبدَك، وصدِّق رسولكَ بعد صلاةِ الصُّبح قبل طلوع الشَّمس، ولينغَمِس فيه ثلاثَ غمساتٍ ثلاثة أيَّامٍ، فإن لم يبرَأ فخمسٌ، وإلَّا فسبعٌ، وإلَّا فتسعٌ(4)، فإنَّها لا تكادُ تجاوِزُ تسعًا بإذنِ اللهِ تعالى» / ، فقال التِّرمذيُّ: غريبٌ، وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ: في سندهِ سعيدُ بن زُرعة مختلفٌ فيه. انتهى. وعلى تقدير ثبوتهِ فهو شيءٌ خارجٌ عن قواعد الطِّبِّ داخلٌ في قسم المعجزاتِ الخارقة للعادةِ، ألا ترى كيف قال فيه: «صدِّق رسولك وبإذن اللهِ» وقد شوهد وجرِّب فوجد كما نطقَ به الصَّادقُ المصدوقُ صلعم قالهُ في «شرح المشكاة»، ويحتملُ أن يكون لبعضِ الحُمِّيَّات دون بعضٍ.
          وهذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ والنَّسائيُّ والتِّرمذيُّ وابنُ ماجه في «الطِّبِّ».


[1] في (م): «وهو».
[2] في (ص) و(م) و(د): «غيرها».
[3] في (س): «البدعة».
[4] «وإلا فتسع»: ليست في (د).