إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك

          5666- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّا) التَّميميُّ الحنظليُّ النَّيسابوريُّ قال: (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) أبو محمَّد، مولى الصِّدِّيق الثِّقة الإمام (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ أنَّه: (قالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) أي: ابن أبي بكرٍ الصِّدِّيق ♥ ، أنَّه: (قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ) ♦ : (وَارَأْسَاهْ) روى الإمام أحمدُ والنَّسائيُّ وابنُ ماجه من طريق عبيدِ اللهِ بن عبد اللهِ بن عُتبة(1)، عن عائشة: «رجعَ رسول الله صلعم من جَنازةٍ مِن البقيعِ، فوجدَني وأنا أجدُ صُداعًا في رأسي وأنا أقولُ: وارَأساه!». قال الطِّيبيُّ: نَدبَتْ نفسها، وأشارَت إلى الموت (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : ذَاكِ) بكسر‼ الكاف (لَوْ كَانَ) أي: إن حصلَ موتُك (وَأَنَا حَيٌّ، فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ، وَأَدْعُو لَكِ) بكسر الكاف فيهما أيضًا (فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصحَّحًا عليها في الفرع بعدها تحتية مخففة فألف فهاء ندبة، وفي بعض الأُصولِ بفتح اللام، ولم يذكُر الحافظ ابن حجر غيرها. وتعَّقبه العينيُّ فقال: ليس كذلك؛ لأنَّ «ثكليَاه» إمَّا أن يكون مصدرًا، أو صفةً للمرأةِ الَّتي فقدتْ ولَدها، فإن كانَ مصدرًا فالثَّاء مضمومةٌ واللَّام مكسورةٌ، وإن كان اسمًا فالثَّاء مفتوحة واللَّام كذلك. قال في «القاموس»: الثُّكل _بالضم_ الموت والهلاك وفُقدانُ الحبيب أو الولدِ. انتهى. وليست حقيقتُه مُرادةً هنا، بل هو كلامٌ يجري على ألسنَتِهم عند حُصولِ(2) المصيبَة / أو(3) توقُّعِها (وَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ) أي: من قوله لها: «لو مُتِّ قَبلي» (تُحِبُّ مَوْتِي وَلَوْ كَانَ ذَاكَ) أي: مَوتي، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ذَلِكَ“ بلام بعد المعجمة (لَظَلِلْتَ) بفتح اللام والظاء المعجمة بعدها لام مكسورة فأخرى ساكنة (آخِرَ يَوْمِكَ) من مَوتي (مُعَرِّسًا) بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الراء المشددة بعدها سين مهملة، اسمُ فاعلٍ، وبسكون العين وتخفيف الراء، مِن أَعرَس بامرأتِه إذا بَنى بها أو غَشيها (بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ(4)) ونسيتَني (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَنَا(5) وَارَأْسَاهْ) كذا في الفرع، وفي غيره من الأصولِ المعتمَدة الَّتي وقفتُ عليها: ”بل أنَا وارأسَاهُ“ بإثبات «بل» الإضرابيَّة، أي: دَعي ذكر ما تجدينَهُ من وجعِ رأسكِ واشتغِلي بي، فإنَّك لا تموتِين في هذه الأيَّامِ بل تعيشين بعدِي، عَلم ذلك بالوحيِ، ثمَّ قال صلعم : (لَقَدْ هَمَمْتُ _أَوْ) قال: (أَرَدْتُ_) بالشَّكِّ من الرَّاوي (أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق (وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ) بفتح الهمزة والنصب عطفًا على المنصوب السابق، أي: أُوصي بالخلافةِ لأبي بكرٍ كراهةَ (أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ) الخلافةُ لفلانٍ أو لفلان، أو يقولُ واحدٌ منهم: الخلافةُ لي، وأنْ مصدريَّة، والمقول محذوفٌ (أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ) الخلافةَ فأعيِّنه قطعًا للنِّزاعِ، وقد أرادَ الله أنْ لا يعهد لُيؤجرَ المسلمُون على الاجتهاد، و«المتمنُّون» بضم النون، جمعُ: مُتمنٍّ، بكسرها. وقال السَّفاقسيُّ: ضبط قوله: «المتمنَّون» _بفتح النون_ وإنَّما هو بضمها لأنَّ الأصل المتمنِّيون على زنةِ المتطهِّرون، فاستُثْقِلَت الضَّمةُ على الياءِ فحُذفت فاجتمعَ ساكنان الياءُ والواو فحذفت الياءُ كذلك(6) وضُمَّت النُّون لأجلِ الواو إذ لا يصحُّ واو قبلها كَسرة. قال العينيُّ: فتحُ النون هو الصَّواب، وهو الأصل كما في قوله: المسمَّون(7) إذ لا يقال فيه: بضم الميم، وتشبيهُ القائلِ المذكور‼ المتمنُّون بالمتطهِّرون غير مستقيمٍ لأنَّ هذا صحيحٌ وذاك معتل اللَّام، وكلُّ هذا عجزٌ وقصورٌ عن قواعد علم الصَّرف.
          (ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللهُ) إلَّا خلافة أبي بكرٍ (وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ) خلافةَ غيره لاستخلافِي له في الإمامةِ الصُّغرى (أَوْ) قال صلعم : (يَدْفَعُ اللهُ) خلافة غيرهِ (وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ) إلَّا خلافتهُ، فالشَّكُّ من الرَّاوي في التَّقديم والتَّأخيرِ، وفائدةُ إحضار ابنِ الصِّدِّيق معه في العهدِ بالخلافةِ، ولم يكن له فيها دخلٌ(8). قال في «الكواكب»: لأنَّ المقامَ مقام استمالةِ قلبِ عائشة(9)، يعني كما أنَّ الأمرَ مفوَّضٌ إلى أبيك كذلك الائتمارِ(10) في ذلكَ بحضرةِ أخيك، فأقاربك هم أهلُ مَشورتِي.
          وهذا الحديثُ أخرجهُ البخاريُّ أيضًا في «الأحكام» [خ¦7217].


[1] في (م): «عيينة»، وفي (د): «عتبية».
[2] في (م) و(د): «حضور».
[3] في (ص): «أن».
[4] في (م): «زوجاتك».
[5] في (م): «بل أنا».
[6] في (د) و(م): «لذلك».
[7] في (م): «المتمنون».
[8] في (م): «مدخل».
[9] في (ص): «لعائشة».
[10] في (ص): «الاستئمار»، وفي (م): «الاستمرار».