إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول المريض: إني وجع، أو: وارأساه، أو: اشتد بي الوجع

          ░16▒ (بابُ) جوازُ (قَولِ المَرِيضِ: إِنِّي وَجِعٌ) بفتح الواو وكسر الجيم، ولأبي ذرٍّ: ”بابُ ما رُخِّص للمريضِ أن يقول: إنِّي وجعٌ“ (أَوْ) قوله: (وَارَأْسَاهْ) وهو تفجُّعٌ على الرَّأس من شدَّة / صُداعه (أَوِ اشْتَدَّ) أي: أو قوله: اشتدَّ (بِي الوَجَعُ، وَ) باب (قَوْلِ أَيُّوبَ ◙ : {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}) الضَّرُّ _بالفتح_: الضَّرر في كلِّ شيءٍ. وبالضَّمِّ: الضَّرَر في النَّفسِ من مرضٍ أو هزالٍ ({وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأنبياء:83]) ألطفَ في السُّؤال حيثُ ذكرَ نفسَهُ بما يُوجب الرَّحمة، وذَكَرَ ربَّه بغايةِ(1) الرَّحمة، ولم يصرِّح بالمطلوب، فكأنَّه قال: أنتَ أهلٌ أن تَرحم، وأيُّوبُ أهلٌ أن يُرحم، فارحمهُ واكشفْ عنه الضُّرَّ الَّذي مسَّه. وقال الطِّيبيُّ: لم يقل: ارحَم ضُرِّي ليعمَّ ويشملَ ويشعرَ بالتَّعليل، ولذلك استُجيب له، وروي عن أنسٍ: أخبرَ أيُّوب عن ضَعفه حين لم يقدِر على النُّهوضِ إلى الصَّلاةِ ولم يشكُه، وكيف يشكُو من قيل له: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ}[ص:44] وقيل: إنَّما اشتَكى إليه تلذُّذًا بالنَّجوى لا أنَّه تضرَّر(2) بالشَّكوى، والشِّكاية إليه غايةُ القربِ، والشِّكايةُ منه غايةُ البُعدِ.
          وقد استُشْكل إيرادُ المؤلِّف لهذه الآية هنا إذ إنَّها لا تُناسب التَّرجمة؛ لأنَّ أيُّوب إنَّما قال‼ ذلك داعيًا ولم يذكرهُ للمخلوقين. وأُجيب: باحتمالِ أنَّه أشارَ إلى أنَّ مُطلق الشَّكوى لا يمنعُ(3) ردًّا على من زعم أنَّ الدُّعاء بكشفِ البلاء يقدحُ في الرِّضا، فنبَّه على أنَّ الطَّلبَ منه تعالى ليسَ ممنوعًا، بل زيادة عبادةٍ لما ثبتَ(4) مِثل(5) ذلك عن المعصومِ، وأثنى الله عليه بذلك وأثبتَ له اسمَ الصَّبر مع ذلك(6)، فلعلَّ مراد المؤلِّف: أنَّ الَّذي يجوزُ من الشَّكوى ما كان على طريقِ الطَّلب من الله تعالى.


[1] في (م): «بعامة».
[2] في (م) و(د): «منه تضررًا».
[3] في (س): «تمنع».
[4] في (ص) و(ب): «فلا يثبت».
[5] في (م) و(د): «من».
[6] «وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك»: ليست في (د).