إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم اشف سعدًا وأتمم له هجرته

          5659- وبه قال: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الحنظليُّ البَلخيُّ قال: (أَخْبَرَنَا الجُعَيْدُ) بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغَّرًا، ابنُ عبد الرَّحمن الكنديُّ (عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ) بسكون العين (أَنَّ أَبَاهَا) سعدَ بن أبي وقَّاصٍ (قَالَ: تشَكَّيْتُ) من باب التَّفعُّل(1) الدَّال على المبالغة (بِمَكَّةَ شَكْوًا(2)) بالتَّنوين (شَدِيدًا) بالتَّذكير على إرادة المرض، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”شَكْوَى“ بلا تنوين ”شَدِيدَةٍ“ بتاء التأنيث. قال عياض: شَكوى، مقصورٌ، والشَّكْوُ المرضُ، يعني بسكون الكاف وضم الواو. يُقال منه: شَكَا يَشكُو واشتَكَى شِكَايةً وشَكَاوةً وشَكوَى. قال أبو عليٍّ: والتَّنوين رديءٌ جدًّا (فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صلعم يَعُودُنِي) عامَ حجَّةِ الوَداعِ بمكَّة (فَقُلْتُ) له: (يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي) إذا متُّ (أَتْرُكُ مَالًا، وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً) هي أمُّ الحكَم الكُبرى، والمرادُ بالحصر حصرٌ خاصٌّ، فإنَّه كان له ورثةٌ بالتَّعصيبِ من بني عمِّه، فالتَّقديرُ: ولا يرثُني من الأولاد إلَّا ابنةٌ لي (فَأُوصِي) وللكُشميهنيِّ: ”أفأُوصِي“ (بِثُلُثَيْ مَالِي) بالتَّثنية (وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ) ╕ : (لَا) تُوصِ بكلِّ الثُّلُثين (فقُلْتُ): يا رسولَ الله (فَأُوصِي بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ) ╕ : (لَا. قُلْتُ: فَأُوصِي(3) بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ) ╕ : (الثُّلُثُ) أوصِ به (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) وقد كان سعدٌ له حينئذٍ عصبات وزوجَات، وحينئذٍ فيتعيَّنُ(4) تأويلُ ذلك فيكون فيه حذفٌ، تقديرُه: وأتركُ لها الثُّلُثين، أي: ولغيرِها من الورثة، وخصَّها بالذِّكر لتقدُّمها عنده (ثُمَّ وَضَعَ) صلعم (يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ) أي: جبهة سعدٍ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”على جبهتِي“ (ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ) فلا تُمِتهُ في الموضعِ الَّذي هاجرَ منه وتَرَكَه للهِ تعالى (فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ) برد(5) يدهِ الكريمة (عَلَى كَبِدِي) وذُكِّر باعتبارِ العضو أو المسح (فِيمَا يُخَالُ إِلَيَّ)‼ بضم التَّحتية بعدها خاء معجمة. قال في «المحكم»(6): خالَ الشَّيءَ يخالُه ظنَّه(7)، وتخيَّله ظنَّه (حَتَّى السَّاعَةِ) جر بحتَّى أي: إلى السَّاعة.
          والمطابقةُ ظاهرةٌ، والحديثُ يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في «باب قول المريض: إنِّي وجعٌ» [خ¦5668].


[1] في (د): «التفعيل».
[2] في (م): «شكا» وكتب على هامشها: في نسخة: «شكوى».
[3] في (م): «فقلت أوصي».
[4] في (م) و(د): «فتعين».
[5] في (م): «أي».
[6] في (ب): «الحكم».
[7] «ظنه»: ليست في (م).