إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أنس: لقد سقيت رسول الله في هذا القدح أكثر من كذا

          5638- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (الحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ) بفتح الحاء في الأول وضم الميم وكسر الراء في الثَّاني، الطَّحَّان أبو عليٍّ البصريُّ الحافظ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ) الشَّيبانيُّ مولاهم، ختنُ أبي عَوَانة قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح (عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ) بن سليمان أبي عبد الرَّحمن، البصريِّ الحافظ، أنَّه (قَالَ(1): رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صلعم عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ ، وفي «مختصر البخاري» للقرطبيِّ: أنَّ في بعض النَّسخ القديمة من البخاريِّ: ”قال أبو عبدِ الله البخاريُّ: رأيتُ هذا القدح بالبصرةِ وشربتُ فيه، وكان اشتُرِي من ميراثِ النَّضر بن أنسٍ بثمان مئة ألف“ (وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ) أي: انشقَّ (فَسَلْسَلَهُ) صلعم أو أنس، أي: وصل بعضه ببعضٍ (بِفِضَّةٍ. قَالَ) عاصم: (وَهْوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ) ليس بمتطاولٍ بل طوله أقصرُ من عمقه (مِنْ) خشب (نُضَارٍ) بنون مضمومة ومعجمة مخففة، والنُّضار: الخالصُ من كلِّ شيءٍ، وقد قيل: إنَّه عودٌ أصفرُ يشبه لون الذَّهب، وقيل: إنَّه من الأَثْل، وقيل: من شجرِ النَّبْع(2) (قَالَ) عاصم(3)‼: (قَالَ أَنَسٌ) ☺ : (لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم فِي هَذَا القَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا) ولمسلم من طريق ثابت، عن أنسٍ: «لقد سقيتُ رسولَ الله صلعم بقدحِي هذا الشَّراب كلَّه العسل والنَّبيذَ والماءَ واللَّبن» (قَالَ) عاصم: (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ) محمد: (إِنَّهُ كَانَ فِيهِ) في القدح (حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ) بسكون اللام كاللَّاحقة (فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ _أَوْ: فِضَّةٍ_) بالشَّكِّ من الرَّاوي، أو(4) هو تردُّد من أنسٍ عند إرادةِ ذلك(5) (فَقَالَ لَهُ(6) أَبُو طَلْحَةَ) زيدُ بن سهلٍ الأنصاريُّ زوج أمِّ أنس: (لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم فَتَرَكَهُ) وقوله: تغيرَنَّ: بفتح الراء ونون التوكيد(7) الثَّقيلة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”لا تغير“ بصيغة النَّهي من غير تأكيدٍ، وفي الحديث: جوازُ اتِّخاذ ضبَّة الفضة والسِّلسلة والحلقة أيضًا ممَّا اختلف فيه، ومنع ذلك مطلقًا جماعة من الصَّحابة والتَّابعين وهو قولُ مالك واللَّيث، وعن مالك: يجوزُ من الفضة إذا كان يسيرًا، وكرهه الشَّافعي قال: لئلا يكون شاربًا على فضَّة، وأخذ بعضُهم أنَّ الكراهة تختصُّ بما إذا كانت الفضةُ موضع الشُّرب وبذلك صرَّح الحنفيَّة، وقال به أحمد، والَّذي تقرَّر عند الشَّافعيَّة: تحريمُ ضبَّة الفضة إذا كانت كبيرةً للزينةِ، وجوازها إذا كانت صغيرةً لحاجةٍ، أو صغيرةً لزينةٍ، أو كبيرةً لحاجةٍ، وتحريمُ ضبَّة الذَّهب مطلقًا، وأصل ضبَّة الإناءُ: ما يصلح بها خلله من صفيحةٍ أو غيرها، وإطلاقُها على ما هو للزِّينة توسُّعٌ، ومرجعُ الكبيرةِ والصَّغيرة(8) العرف على الأصح، وقيل وهو الأشهر: الكبيرةُ ما تستوعب جانبًا من الإناء كشفةٍ وأذن، والصَّغيرة دون ذلك، فإن شكَّ في الكُبْرِ فالأصل الإباحةُ، قاله في «شرح المهذب». والمراد بالحاجةِ: غرضُ الإصلاح دون التَّزيين، ولا يُعتبر العجز عن غير الذَّهب والفضَّة لأنَّ العجز عن غيرهما يبيحُ استعمالَ الإناء الَّذي كله ذهب أو فضة فضلًا عن المضبَّب.
          وهذا الحديث قد سبقَ منه قطعة(9) في «باب ما جاء في درع النَّبيِّ صلعم » مِنْ «كتاب الجهاد» [خ¦3109].


[1] في (م) و(د) زيادة: «لقد».
[2] في (م) و(د): «البقيع».
[3] «قال عاصم»: ليست في (م).
[4] في (م): «و».
[5] في (م): «تلك».
[6] «له»: ليست في (م) و(د).
[7] في (د): «والنون للتوكيد».
[8] في (م) زيادة: «و».
[9] في (ص): «فضلة».