إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة

          5575- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ ) سقط لأبي ذرٍّ «عبد الله» (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا) من شربها (حُرِمَهَا)(1) بضم الحاء المهملة وكسر الراء مخففة، من الحرمان؛ أي‼: حرمَ شربها(2) (فِي الآخِرَةِ) ولمسلم من طريق أيُّوب، عن نافعٍ: «فماتَ وهو مدمنها لم يشربْها في الآخرةِ». وظاهرُه: عدمُ دخوله الجنَّة ضرورةَ أنَّ الخمرَ شرابُ أهلها، فإذا حرم شربها دلَّ على أنَّه لا يدخلها، ولأنَّه إن حرمها عقوبةً له لزم وقوعُ الهمِّ والحزن له، والجنَّة لا همَّ فيها ولا حزن. وحملهُ ابنُ عبد البرِّ: على أنَّه(3) لا يدخلها ولا يشربُ الخمر فيها إلَّا إن عفا الله عنه، كما في بقيَّة الكبائرِ وهو في المشيئةِ، فالمعنى: جزاؤه في الآخرةِ أن يحرمها لحرمانهِ دخول الجنَّة إلا إن عفا الله عنه، وجائزٌ أن يدخلَ الجنَّة بالعفوِ ثمَّ لا يشربُ فيها خمرًا، ولا تشتهيها نفسُه / وإن علمَ بوجودهِ فيها، ويدلُّ له حديثُ أبي سعيدٍ المرويُّ عند الطَّيالسيِّ وصحَّحه ابن حبَّان مرفوعًا: «مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يلبسْه في الآخرةِ، وإن دخلَ الجنَّة لبسَه أهل الجنَّة ولم يلبسْه هو». وفرَّق بعضُهم بين من يشربها مستحلًّا لها ومن يشربها عالمًا بتحريمها، فالأوَّل: لا يشربُهَا أبدًا لأنَّه لا يدخل الجنَّة، والثَّاني: هو الَّذي اختلف فيه فقيل(4): إنَّه يحرمُ شربها مدَّة ولو في حالِ تعذيبه إن عذب، أو المعنى: إنَّ ذاك جزاؤهُ إن جوزِيَ. وقال النَّوويُّ: قيل: يدخلُ الجنَّة ويحرمُ عليه(5) شربها، فإنَّها من فاخرِ أشربة الجنَّة، فيحرمها هذا العاصي لشربها في الدُّنيا، وقيل: إنَّه ينسى شهوتها، فيكون هذا نقصًا عظيمًا لحرمانهِ أشرفَ نعيم الجنَّة. وقال القرطبيُّ: لا يبالي بعدمِ شُربها ولا يحسد من يشربها، فيكون حاله كحالِ أهل المنازلِ في الخفضِ والرَّفع، فكما لا يَشتهي منزلة من هو أرفع منه، كذلك لا يَشتهي الخمر في الجنَّة، وليس ذلك بضارٍّ له. وفي الحديثِ من الفوائد: أنَّ التَّوبة تكفِّر المعاصي.
          وقد أخرج الحديث مسلم في «الأشربةِ»، والنَّسائيُّ فيه وفي «الوليمةِ».


[1] في (م) زيادة: «الله».
[2] في (م) زيادة: «عليه».
[3] في (د): «أن».
[4] في (م) و(د) زيادة: «فيه».
[5] «عليه»: ليست في (س).