إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من كان ذبح قبل الصلاة فليعد

          5549- وبه قال: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ) بن الفضلِ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ) إسماعيلُ بن إبراهيم، وعُلَيَّة(1) أمُّه (عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتيانيِّ (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ) محمَّد (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم يَوْمَ النَّحْرِ) لأصحابه: (مَنْ كَانَ) منكم (ذَبَحَ) أضحيته (قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ) فإنَّها ليست نسكًا (فَقَامَ رَجُلٌ) هو أبو بُرْدة بنُ نِيَار (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ) للالتذاذِ به فيه، ولأنَّ العادة جرتْ فيه بكثرةِ الذَّبح فالنَّفس تتشوَّف له، ولا يقدحُ فيه قول عمر لجابر بن عبد الله لما رأى معه لحمًا فقال له: ما هذا؟ قال: قَرِمْنَا إلى اللَّحْم فقال له: أين تذهب هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا}[الأحقاف:20] لأنَّ يوم النَّحر مخصوصٌ بأكله. قال الله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج:34] {فَكُلُوا مِنْهَا}[الحج:36] وبه استدلَّ من قال بوجوبِ الأكلِ من الأضاحِي، وهو قولٌ غريبٌ، والَّذي عليه الجمهور أنَّه من باب الرُّخصة أو الاستحبابِ.
          (وَذَكَرَ) أبو بردة (جِيرَانَهُ) وعند مسلمٍ عن عاصمٍ: «وإنِّي عَجَّلت فيه نسيكَتِي لأُطْعم أَهْلي وجِيراني وأهلَ دارِي» (وَعِنْدِي جَذَعَةٌ) من المعز (خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ) بالتَّثنية من المعز (فَرَخَّصَ لَهُ) صلعم (فِي ذَلِكَ) قال أنسٌ: (فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ) من النَّاس (أَمْ لَا؟) فيكون مختصًّا بذلك، ولعلَّ أنسًا لم يبلغْه قوله صلعم : «لن تجزِي عن أحدٍ بعدك» (ثُمَّ انْكَفَأَ) بالهمز، أي: مال ورجع (النَّبِيُّ صلعم ) عن مكانِ الخطبة إلى مكان الذَّبح (إِلَى كَبْشَيْنِ) تثنية كبشٍ وهو ذكر الضَّأن (فَذَبَحَهُمَا، وَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ) بضم الغين المعجمة(2) وفتح النون مصغرًا (فَتَوَزَّعُوهَا) بالزاي المعجمة مِنَ التَّوزيع، أي: تفرَّقوها (أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا) بالجيم والزاي من الجزع، أي: اقتسموها حصصًا كل واحدٍ حصَّة من الغنم(3) بغير ذبحٍ، وليس المرادُ أنَّ كلَّ واحدٍ أخذَ قطعةً من اللَّحم، والشَّكُّ من الرَّاوي.
          والحديث سبق في «باب الأكل يوم النَّحر» من «كتاب العيدين» [خ¦954].


[1] في (ص) و(م) زيادة: «هي».
[2] «المعجمة»: ليست في (د).
[3] في (م): «الغنيمة».