إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكلوا

          5543- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مسرهدٍ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) بهمزة مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فواو مفتوحة، بعدها صاد مهملة، سلام الحنفيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ) والد سفيان الثَّوريِّ (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ) بفتح العين وتخفيف الموحدة (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أنَّه (قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلعم : إِنَّنَا) بنونين، ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”إنَّا“ (نَلْقَى العَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى) بضم الميم وتنوين الدَّال المهملة مخفَّفة، جمع مدية، سكِّينٌ ننحرُ بها ما نغنمه، وكأنَّه استشعرَ النَّصر والظَّفر والغنيمةَ الَّتي(1) يذبحون منها، إمَّا بإخبارهِ صلعم إيَّاهم بذلك، أو بما(2) وقع‼ في نفوسهم من نصرة المسلمين على عادتهم (فَقَالَ) صلعم : (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَسَالَه (وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ) عليه (فَكُلُوا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فكلوهُ“ (مَا لَمْ يَكُنْ) أي: المذبوحُ به (سِنٌّ(3) وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ) علَّة (ذَلِكَ) وحكمتهِ لتتفقَّهوا (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) وهو ينجسُ(4) بدم المذبوحِ، وقد نُهِيتُم عن تنجيسِ العظام / في الاستنجاءِ لكونها زادَ إخوانكُم من الجنِّ (وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ) وهم كفَّارٌ، وقد نُهِيتُم عن التَّشبُّه(5) بهم، والألف واللام في الظُّفر للجنسِ، فلذا وصفها بالجمعِ(6) كقول العرب: أهلك النَّاس الدِّرهم البيض، والدِّينار الصُّفر، والحبشة جنسٌ من السُّودان معروفٌ. وقوله: «وسأحدِّثكم عن ذلك...» إلى آخره اختُلف فيه هل هو مدرجٌ أو مرفوعٌ؟ جزمَ النَّوويُّ بأنَّه(7) مرفوعٌ. وقال ابن القطَّان: مدرجٌ من قول رافعِ بن خديجٍ، ورجَّح الحافظُ ابن حجر الأوَّل.
          (وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنَ الغَنَائِمِ) ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”المغانم“ (وَالنَّبِيُّ صلعم فِي آخِرِ النَّاسِ) سيرًا (فَنَصَبُوا قُدُورًا) فيها لحم ممَّا ذبحوهُ من الغنيمة (فَأَمَرَ بِهَا) صلعم لمَّا رآها أن تُكْفَأ (فَأُكْفِئَتْ) أي: قُلِبَتْ وأُفْرِغَ ما فيها عقوبةً لهم (وَقَسَمَ) ╕ (بَيْنَهُمْ) ما غنموهُ (وَعَدَلَ بَعِيرًا) قابله (بِعَشْرِ شِيَاهٍ) لنفاسةِ الإبلِ حينئذٍ أو عزَّتها وكثرة الغنم، أو كانت هزيلةً بحيث كانت(8) قيمةُ البعير عشر شياهٍ (ثُمَّ نَدَّ) نفرٌ (مِنْهَا) من الإبل الَّتي قسمت (بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ القَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ) مع الَّذين في الأوائلِ (خَيْلٌ) ومع الآخرين قليلةٌ، زاد في الرِّواية السَّابقة في: «باب التَّسمية»: «فطلبوهُ فأعياهم» [خ¦5498] (فَرَمَاهُ رَجُلٌ) لم أقفْ على اسمه (بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللهُ) بسببِ رميه بأن أصابهُ فوقف (فَقَالَ) صلعم : (إِنَّ لِهَذِهِ البَهَائِمِ) من الإبلِ (أَوَابِدَ) بالهمزة المفتوحة والواو، وبعد الألف موحدة فدال مهملة (كَأَوَابِدِ الوَحْشِ) أي: نفارًا كنِفارِ الوحش (فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا) الفعل، وهو النِّفار ولم تقدروا عليه (فَافْعَلُوا) به (مِثْلَ هَذَا) وكلوهُ، فإنَّه له ذَكاة.


[1] في (م): «الذين».
[2] في (م): «مما».
[3] قال الشيخ قطة ☼ : هكذا في النسخ بصورة المرفوع، ولعله رسم على لغة ربيعة.
[4] في (د) و(م): «منهر»، وفي (ل): «منهيٌّ».
[5] في (د): «التشبيه».
[6] قال الشيخ قطة ☼ : الأولى أن يقول: فلذا أخبر عنها بالجمع، كما هو واضح، إلا أن يقال: إن الخبر وصف في المعنى، وبذلك يتم التنظير بقوله: كقول العرب... إلى آخره، فتدبر.
[7] في (م): «أنه».
[8] في غير (ص): «كان».