إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بلغنا أن رسول الله أمر بفأرة ماتت في سمن

          5539- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقبُ عبد الله بنِ عثمان بنِ جبلة المروزيِّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ (عَنْ يُونُسَ) بن يزيد الأَيْليِّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابنِ شهاب (عَنِ الدَّابَّةِ) أي: عن حكم الدَّابَّة (تَمُوتُ فِي الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَهْوَ جَامِدٌ أَوْ غَيْرُ جَامِدٍ) من غير فرقٍ بين السَّمن وغيره، ولا بين الجامد منه والذَّائب (الفَأْرَةِ) بدل من الدَّابَّة، أو عطف بيانٍ لها (أَوْ غَيْرِهَا) عطفٌ على المجرورِ، هل ينجسُ الكلُّ أم لا؟ (قَالَ) الزُّهريُّ: (بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَمَرَ بِفَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ، فَأَمَرَ بِمَا قَرُبَ مِنْهَا) من الفأرةِ (فَطُرِحَ ثُمَّ أُكِلَ) ما بقي من السَّمن (عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين (ابْنِ عَبْدِ اللهِ) بن عتبة بن مسعودٍ، والجار والمجرور يتعلَّق(1) بقوله: بلغنا، أي: بلغنا عن حديثِ عُبيد الله.
          وهذا بلاغٌ صورتُه صورةُ المرسل أو الموقوف؛ لكنَّه مذكورٌ بالإسناد المرفوعِ أوَّلًا وآخرًا. قال في «الفتح»: ولم يظهرْ لنا هل فيه ميمونة أو(2) لا؟ واستُدِلَّ بهذا الحديث لإحدى الرِّوايتين عن أحمد أنَّ المائعَ إذا حلَّت فيه النَّجاسة لا ينجس إلَّا بالتَّغيُّر وهو اختيارُ البخاريِّ وقول ابن نافعٍ من المالكيَّة، وفرَّق الجمهورُ بين الجامد والمائع عملًا بالتَّفصيل السَّابق ولم يردْ في طريقٍ صحيحةٍ(3) تحديد ما يلقى. نعم، أخرج ابنُ أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار بسندٍ جيِّدٍ أنَّه(4) يكون قدر الكفِّ، واستدلَّ بقوله في الرِّواية المفصَّلة: «وإن كان مائعًا فلا تقربوهُ» على أنَّه لا يجوزُ الانتفاع به في شيءٍ، فيحتاجُ من أجاز الانتفاع به في غيرِ الأكل كالشَّافعية أو بيعه(5) كالحنفيَّة إلى الجوابِ عن الحديث، واحتجَّ المجوِّزون بحديث ابنِ عمر عند البيهقيِّ: «إن كان السَّمن مائعًا انتفعوا بهِ ولا تأكلوهُ»، وحديث ابن عمر في فأرةٍ وقعت في زيتٍ: «استصبحوا به، وادَّهنوا به».


[1] في (م) و(د): «متعلق».
[2] في (م) و(د): «أم».
[3] في (س): «صحيح».
[4] في (م): «أن».
[5] في (م) و(د): «معه».